قوله تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ..." الآية.
(*) نزلت في ثابت بن قيس بن شماس كان في أذنه وقر، وكان جهورى الصوت، وكان إذا كلَّم إنسانا جهر بصوته، فربما كان يُكلِّم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتأذى بصوته، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
(*) عن جعفر بن سليمان الضبعي قال: أخبرنا ثابت عن أنس: لما نزلت هذه الآية " لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ " ، قال ثابت بن قيس: أنا الذي كنت أرفع صوتي فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا من أهل النار، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ،فقال : "هو من أهل الجنة" رواه مسلم عن قطر بن نسير
(*) وقال ابن أبي مليكة: كاد الخَيّران أن يهلكا: أبو بكر وعمر رفعا أصواﺗﻬما عند النبي صلى الله عليه وسلم حين قَدِم عليه رَكْب بنى تميم، فأشار أحدهما بالاقرع بن حابس وأشار الآخر برجل آخر، فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي، وقال عمر: ما أردت خلافك ، وارتفعت أصواﺗﻬما في ذلك، فأنزل الله تعالى " لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ .."الآية ،وقال ابن الزبير: فما كان عمر يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه.
(*) عن عمر ابن الحكم عن جابر بن عبد الله قال: جاء بنو تميم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنادوا على الباب يا محمد اخرج إلينا، فإن مدحنا زين وإن ذمنا شين، فسمعهم النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج عليهم وهو يقول: إنما ذلكم الله الذي مدحه زين وذمه شين، فقالوا: نحن ناس من بني تميم جئنا بشاعرنا وخطيبنا نشاعرك ونفاخرك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"ما بالشِّعر بُعِثْت ولا بالفَخَار أُمِرْت ولكن هاتوا"، فقال الزبرقان بن بدر لشاب من شباﺑﻬم قم فاذكر فضلك وفضل قومك، فقام فقال: الحمد لله الذي جعلنا خير خلقه، وآتانا أموالا نفعل فيها ما نشاء، فنحن من خير أهل الارض ومن أكثرهم عدة، ومالا وسلاحا، فمن أنكرعلينا قولنا فليأت بقول هو أحسن من قولنا، وفِعَال هي خير من فعالنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت
ابن قيس بن شماس:" قم فأجبه" ، فقام فقال: الحمد لله أحمده وأستعينه وأومن به، وأتوكل عليه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، دعا المهاجرين والانصار من بني عمه أحسن الناس وجوها وأعظمهم أحلاما فأجابوا، فالحمد لله الذي جعلنا أنصاره، ووزراء رسوله وعِزًّا لدِينه، فنحن نقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله،فمن قالها مَنَع مِنّا نفسه وماله، ومن أباها قتلناه، وكان رغمه في الله تعالى علينا هينا، أقول قولي هذا وأستغفر الله للمؤمنين والمؤمنات، فقال الزبرقان ابن بدر لشاب من شباﻧﻬم قم يا فلان فقل أبياتا تذكر فيها فضلك وفضل قومك، فقام الشاب فقال:
نحن الكرام فلا حى يعادلنا ** فينا الرؤوس وفينا تُقْسَم الرُّبَعُ
ونطعم الناس عند القَحْط كلهم ** من السدِيف إذا لم يؤنس القزع
إذا أبينا فلا يأبى لنا أَحَد ** إنا كذلك عند الفخر نرتفع
قال: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حسان بن ثابت، فانطلق إليه الرسول فقال: وما يريد مني وقد كُنت عنده ؟ قال: جاءت بنو تميم بشاعرهم وخطيبهم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس فأجاﺑﻬم وتكلم شاعرهم، فأرسل إليك تجيبه، فجاء حسَّان فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجيبه ، فقال حسَّان:
نصرنا رسول الله والدين عفوة **على رغم سار من معد وحاضر
ألسنا نخوض الموت في حومة الوغى** إذا طاب ورد الموت بين العساكر
ونضرب هام الدارعين وننتمى ** إلى حسب من جرم غسان قاهر
فلولا حياء الله قلنا تكرما ** على الناس بالخَيفين هل من منافر
فأحياؤنا من خير من وطئ الحصى ** وأمواتنا من خيرأهل المقابر
قال: فقام الاقرع بن حابس فقال: إني والله لقد جئت لامر ما جاء له هؤلاء، وقد قلت شعرا فاسمعه، فقال: هات، فقال:
أتيناك كيما يعرف الناس فضلنا ** إذا فاخرونا عند ذكر المكارم
وإنا رءوس الناس من كل معشر ** وأن ليس في أرض الحجاز كوارم
وإن لنا المرباع في كل غارة ** تكون بنجد أو بأرض التهائم
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قم يا حسان فأجب"،فقال :
بنى دارم لا تفخروا إن فخركم ** يعود وبالا عند ذكر المكارم
هبلتم علينا تفخرون وأنتم ** لنا خول من بين ظئر وخادم
وأفضل ما نلتم من اﻟﻤﺠد والعلى ** ردافتنا من بعد ذكر الاكارم
فإن كنتم جئتم لحقن دمائكم ** وأموالكم أن تقسموا في المقاسم
فلا تجعلوا لله ندا وأسلموا ** ولا تفخروا عند النبي بدارم
وإلا ورب البيت مالت أكفنا ** على هامكم بالمرهفات الصوارم
قال: فقام الاقرع بن حابس فقال: إن محمدا لمؤتى له، والله ما أدرى ما هذا الامر، تكلم خطيبنا فكان خطيبهم أحسن قولا، وتكلم شاعرنا فكان شاعرهم أشْعَر، ثم دنا من النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما يضرُّك ما كان قبل هذا"، ثم أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكَسَاهم وارتفعت الاصوات وكثر اللَّغَط عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله هذه الآية "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ " إلى قوله "لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ".
** ورد عند القرطبي
قوله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ "
(*) قوله تعالى : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ"
روى البخاري والترمذي عن ابن أبي مليكة قال : حدثني عبدالله بن الزبير أن الأقرع بن حابس قدم على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو بكر : يا رسول الله استعمله على قومه ، فقال عمر : لا تستعمله يا رسول الله ، فتكلما عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى ارتفعت أصواتهما ، فقال أبو بكر لعمر : ما أردت إلا خلافي. فقال عمر : ما أردت خلافك ، قال : فنزلت هذه الآية : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ" قال : فكان عمر بعد ذلك إذا تكلم عند النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمع كلامه حتى يستفهمه
(*) وذكر المهدوي عن عَلِيّ رضي الله عنه : نزل قوله : "لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ" فينا لما ارتفعت أصواتنا أنا وجعفر وزيد بن حارثة ، نتنازع ابنة حمزة لما جاء بها زيد من مكة ، فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لجعفر ، لأن خالتها عنده.
(*) وفي الصحيحين عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم افتقد ثابت بن قيس فقال رجل : يا رسول الله ، أنا أعلم لك علمه ، فأتاه فوجده جالسا في بيته منكسا رأسه ، فقال له : ما شأنك ؟ فقال : شر كان يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم فقد حبط عمله وهو من أهل النار. فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه قال كذا وكذا. فقال موسى : فرجع إليه المرة الآخرة ببشارة عظيمة ، فقال : "اذهب إليه فقل له إنك لست من أهل النار ولكنك من أهل الجنة" "لفظ البخاري" وثابت هذا هو ثابت بن قيس بن شماس الخزرجي يكنى أبا محمد بابنه محمد ، قُتِل له يوم الحرة ثلاثة من الولد : محمد ، ويحيى ، وعبدالله. وكان خطيبا بليغا معروفا بذلك ، كان يقال له خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولما قدم وفد تميم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلبوا المفاخرة قام خطيبهم فافتخر ، ثم قام ثابت بن قيس فخطب خطبة بليغة جزلة فغلبهم ، وقام شاعرهم وهوالأقرع بن حابس فأنشد :
أتيناك كيما يعرف الناس فضلنا ... إذا خلفونا عند ذكر المكارم
وإنا رؤوس الناس من كل معشر... وأن ليس في أرض الحجاز كدارم
وإن لنا المرباع في كل غارة ... تكون بنجد أو بأرض التهائم
فقام حسان فقال :
بني دارم لا تفخروا إن فخركم ... يعود وبالا عند ذكر المكارم
هبلتم علينا تفخرون وأنتم ... لنا خول من بين ظئر وخادم
فقالوا : خطيبهم أخطب من خطيبنا ، وشاعرهم أشعر من شاعرنا ، فارتفعت أصواتهم فأنزل الله تعالى : "لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ" .
(*) قوله تعالى : "وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ"
قيل : كان المنافقون يرفعون أصواتهم عند النبي صلى الله عليه وسلم ، ليقتدي بهم ضعفة المسلمين فنهي المسلمون عن ذلك.
** ورد عند ابن الجوزي
قوله تعالى: "لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ .."
في سبب نزولها قولان .
(*) أحدهما: أن أبا بكر وعمر رفعا أصواتهما فيما ذكرناه آنفا في حديث ابن الزبير، وهذا قول ابن أبي مليكة .
(*) والثاني: أنها نزلت في ثابت بن قيس بن شماس، وكان جهوري الصوت، فربما كان إذا تكلم تأذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوته، قاله مقاتل.
(*) قوله تعالى: "وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ" فيه قولان .
أحدهما: أنه الجهر بالصوت في المخاطبة، قاله الأكثرون.
والثاني: لا تدعوه باسمه: يا محمد، كما يدعو بعضكم بعضا، ولكن قولوا: يا رسول الله، ويا نبي الله، وهو معنى قول سعيد بن جبير، والضحاك، ومقاتل .
جزاكم الله خيرا
ردحذفوجوزيتم عنا الف خير
حذفاشكر لكم المرور الطيب