** ورد عند الواحدي
قوله تعالى:" وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ ... "
(*) قال أهل التفسير وأصحاب السير: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى المصطلق، فنزل على ماء من مياههم يقال له المريسيع، فوردت واردة الناس ، ومع عمر بن الخطاب أجير من بنى غفار يقال له جهجاه بن سعيد يقود فرسه، فازدحم جهجاه وسنان الجهنى حليف بني عوف من الخزرج على الماء، فاقتتلا، فصرخ الجهنى يا معشر الأنصار ، و قال : صرخ الغفاري يا معشر المهاجرين، فأعان جهجاها رجل من المهاجرين يقال له جعال ، وكان فقيرا ، فقال له عبد الله بن أُبَى :وإنك لهناك! ، فقال وما يمنعني أن أفعل ذلك ، واشتد لسان جعال على عبد الله ، فقال عبد الله : والذي يحلف به لأذرنك ،ويهمك غير هذا ، وغضب عبد الله فقال: والله مامثلنا ومثلهم إلا كما قال القائل : سمن كلبك يأكلك ، إنا والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل . يعني بالأعز نفسه ، وبالأذل رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم أقبل على من حضره من قومه ، فقال : هذا ما فعلتم بأنفسكم ، أحللتموهم بلادكم ، وقاسمتموهم أموالكم ; أما والله لو أمسكتم عن جعال وذويه فضل الطعام ، لم يركبوا رقابكم ، ولأوشكوا أن يتحولوا عن بلادكم ; فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمد . قال زيد بن أرقم ( وكان حاضرا ويسمع ذلك ) فقال : أنت والله الذليل القليل المبغض في قومك ، ومحمد في عز من الرحمن ، ومودة من المسلمين ; والله لا أحبك بعد كلامك هذا . فقال عبد الله : اسكت ، فإنما كنت ألعب ، فمشى زيد بن أرقم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره الخبر ، وعنده عمر بن الخطاب . فقال : دعني أضرب عنقه يا رسول الله . فقال : " إذن ترعد له أنف كبيرة بيثرب " . فقال عمر : فإن كرهت يا رسول الله أن يقتله رجل من المهاجرين ، فمر سعد بن عبادة أو محمد بن مسلمة ، أو عبادة بن بشر فليقتلوه . فقال : " إذن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه " . وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أُبَي فأتاه ، فقال له : " أنت صاحب هذا الكلام الذي بلغني ؟ " فقال عبد الله : والذي أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئا من هذا قط ، وإن زيدا لكاذب . وكان عبد الله في قومه شريفا عظيما ; فقال من حضر من الأنصار : يا رسول الله شيخنا وكبيرنا ، لا تصدق عليه كلام غلام من غلمان الأنصار عسى أن يكون وهم في حديثه فلم يحفظ . فعذره رسول الله صلى الله عليه وسلم . وفشت الملامة في الأنصار لزيد وكذَّبوه ، وقال له عمه : ما أردت إلا أن كذبك رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ومقتوك . فاستحيا زيد بعد ذلك أن يدنو من النبي صلى الله عليه وسلم . فلما ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم لقيه أسيد بن حضير ، فقال له : أوما بلغك ما قال صاحبكم عبد الله بن أبي ؟ قال : وما قال ؟ قال : زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل . قال أسيد : فأنت يا رسول الله ، والله تخرجنه إن شئت ، هو والله الذليل ، وأنت العزيز . ثم قال : يا رسول الله ارفق به ، فوالله لقد جاء الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه ، وإنه ليرى أنك سلبته مُلكا . وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبي ما كان من أمر أبيه ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أُبَي لما بلغك عنه ; فإن كنت فاعلا فمُرني به ، فأنا أحمل إليك رأسه ! فوالله لقد علمت الخزرج ما بها رجل أبرّ بوالديه مني ، وأنا أخشى أن تأمر به غيري فيقتله ، فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبد الله بن أُبَي يمشي في الناس ، فأقتله ، فأقتل مؤمنا بكافر ، فأدخل النار . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بل نحسن صحبته ما بقي معنا " ، ولما وافى رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، قال زيد بن أرقم : جلست في البيت لما بي من الهم والحياء ، فأنزل الله تعالى سورة المنافقين في تصديقي وتكذيب عبد الله فلما نزلت أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأُذُن زيد ، فقال : " يا زيد ، إن الله تعالى صدقك وأوفى بأذنك " ، وكان عبد الله بن أُبَي بقرب المدينة ، فلما أراد أن يدخلها جاء ابنه عبد الله بن عبد الله حتى أناخ على مجامع طرق المدينة . فلما أن جاء عبد الله بن أبي قال ابنه : وراءك ! قال : ما لك ؟ ويلك ؟ ! قال : لا والله لا تدخلها أبدا إلا بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولتعلم اليوم من الأعز من الأذل ؟ فشكا عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع ابنه ، فأرسل إليه رسول الله " أن خل عنه حتى يدخل " فقال : أما إذ جاء أمر النبي صلى الله عليه وسلم فنعم ، فدخل ، فلما نزلت هذه السورة وبان كذبه قيل له : يا أبا حباب إنه قد نزلت فيك آي شداد فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر لك ، فلوى رأسه ، فذلك قوله : " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ " الآية.
** ورد عند القرطبي
قوله تعالى : " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ، سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ "
(*) لما نزل القرآن بصفتهم مشى إليهم عشائرهم وقالوا : افتضحتم بالنفاق فتوبوا إلى رسول الله من النفاق ، واطلبوا أن يستغفر لكم. فلووا رؤوسهم ؛ أي حركوها استهزاء وإباء ؛ قال ابن عباس. وعنه أنه كان لعبدالله بن أُبَيّ موقف في كل سبب يحض على طاعة الله وطاعة رسوله ؛ فقيل له : وما ينفعك ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم غضبان : فأْتِه يستغفر لك ؛ فأَبَى وقال : لا أذهب إليه.
وسبب نزول هذه الآيات أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا بني المصطلق على ماء يقال لـ "المريسيع" من ناحية "قديد" إلى الساحل ، فأزدحم أجير لعمر يقال له : "جهجاه" مع حليف لعبدالله بن أبي يقال له : "سنان" على ماء "بالمشلل" ؛ فصرخ جهجاه بالمهاجرين ، وصرخ سنان بالأنصار ؛ فلطم جهجاه سنانا فقال عبدالله بن أُبَيّ : أَوَقد فعلوها! والله ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال الأول : سمن كلبك يأكلك ، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز و يعني أُبَيًّا ، الأذل و يعني محمدا صلى الله عليه وسلم ، ثم قال لقومه : كفوا طعامكم عن هذا الرجل ، ولا تنفقوا على من عنده حتى ينفضوا ويتركوه ، فقال زيد بن أرقم ( وهو من رهط عبدالله ) أنت والله الذليل المنتقص في قومك ؛ ومحمد صلى الله عليه وسلم في عز من الرحمن ومودة من المسلمين ، والله لا أحبك بعد كلامك هذا أبدا. فقال عبدالله : اسكت إنما كنت ألعب. فأخبر زيد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : فأقسم بالله ما فعل ولا قال ؛ فعذره النبي صلى الله عليه وسلم ، قال زيد : فوجدت في نفسي ولا مِنِّي الناس ؛ فنزلت سورة المنافقين في تصديق زيد وتكذيب عبدالله ، فقيل لعبدالله : قد نزلت فيك آيات شديدة فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر لك ؛ فألوى برأسه ، فنزلت الآيات "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ .."
(*) وقيل : إنه لما قال ابن أُبَيّ : "لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ" ورجع إلى المدينة لم يلبث إلا أياما يسيرة حتى مات ؛ فاستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وألبسه قميصه ؛ فنزلت هذه الآية : " لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ "
** ورد عند الطبري
قوله تعالى : " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ "
(*) عن إبراهيم بن الحكم بن أبان ، قال : ثني أبي ، قال : ثني بشير بن مسلم " أنه قيل لعبد الله بن أُبَيّ ابن سلول : يا أبا حباب إنه قد أنزل فيك آي شداد ، فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك ، فلوى رأسه وقال : أمرتموني أن أومن فآمنت ، وأمرتموني أن أعطي زكاة مالي فأعطيت ، فما بقي إلا أن أسجد لمحمد " .
(*) عن يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا " . . . الآية كلها ، قرأها إلى " الْفَاسِقِينَ " أنزلت في عبد الله بن أُبَيّ ، وذلك أن غلاما من قرابته انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثه بحديث عنه وأمر شديد ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا هو يحلف ويتبرأ من ذلك ، وأقبلت الأنصار على ذلك الغلام ، فلاموه وعذلوه ، وقيل لعبد الله : لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعل يلوي رأسه ، أي لست فاعلا وكذب علي ، فأنزل الله ما تسمعون .
(*) عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ " قال : عبد الله بن أُبي ، قيل له : تعال ليستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلوى رأسه وقال : ماذا قلت؟ .
(*) عن معمر ، عن قتادة ، قال : قال له قومه : لو أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فاستغفر لك ، فجعل يلوي رأسه ، فنزلت فيه " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ " .
قوله تعالى:" وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ ... "
(*) قال أهل التفسير وأصحاب السير: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى المصطلق، فنزل على ماء من مياههم يقال له المريسيع، فوردت واردة الناس ، ومع عمر بن الخطاب أجير من بنى غفار يقال له جهجاه بن سعيد يقود فرسه، فازدحم جهجاه وسنان الجهنى حليف بني عوف من الخزرج على الماء، فاقتتلا، فصرخ الجهنى يا معشر الأنصار ، و قال : صرخ الغفاري يا معشر المهاجرين، فأعان جهجاها رجل من المهاجرين يقال له جعال ، وكان فقيرا ، فقال له عبد الله بن أُبَى :وإنك لهناك! ، فقال وما يمنعني أن أفعل ذلك ، واشتد لسان جعال على عبد الله ، فقال عبد الله : والذي يحلف به لأذرنك ،ويهمك غير هذا ، وغضب عبد الله فقال: والله مامثلنا ومثلهم إلا كما قال القائل : سمن كلبك يأكلك ، إنا والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل . يعني بالأعز نفسه ، وبالأذل رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم أقبل على من حضره من قومه ، فقال : هذا ما فعلتم بأنفسكم ، أحللتموهم بلادكم ، وقاسمتموهم أموالكم ; أما والله لو أمسكتم عن جعال وذويه فضل الطعام ، لم يركبوا رقابكم ، ولأوشكوا أن يتحولوا عن بلادكم ; فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمد . قال زيد بن أرقم ( وكان حاضرا ويسمع ذلك ) فقال : أنت والله الذليل القليل المبغض في قومك ، ومحمد في عز من الرحمن ، ومودة من المسلمين ; والله لا أحبك بعد كلامك هذا . فقال عبد الله : اسكت ، فإنما كنت ألعب ، فمشى زيد بن أرقم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره الخبر ، وعنده عمر بن الخطاب . فقال : دعني أضرب عنقه يا رسول الله . فقال : " إذن ترعد له أنف كبيرة بيثرب " . فقال عمر : فإن كرهت يا رسول الله أن يقتله رجل من المهاجرين ، فمر سعد بن عبادة أو محمد بن مسلمة ، أو عبادة بن بشر فليقتلوه . فقال : " إذن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه " . وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أُبَي فأتاه ، فقال له : " أنت صاحب هذا الكلام الذي بلغني ؟ " فقال عبد الله : والذي أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئا من هذا قط ، وإن زيدا لكاذب . وكان عبد الله في قومه شريفا عظيما ; فقال من حضر من الأنصار : يا رسول الله شيخنا وكبيرنا ، لا تصدق عليه كلام غلام من غلمان الأنصار عسى أن يكون وهم في حديثه فلم يحفظ . فعذره رسول الله صلى الله عليه وسلم . وفشت الملامة في الأنصار لزيد وكذَّبوه ، وقال له عمه : ما أردت إلا أن كذبك رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ومقتوك . فاستحيا زيد بعد ذلك أن يدنو من النبي صلى الله عليه وسلم . فلما ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم لقيه أسيد بن حضير ، فقال له : أوما بلغك ما قال صاحبكم عبد الله بن أبي ؟ قال : وما قال ؟ قال : زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل . قال أسيد : فأنت يا رسول الله ، والله تخرجنه إن شئت ، هو والله الذليل ، وأنت العزيز . ثم قال : يا رسول الله ارفق به ، فوالله لقد جاء الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه ، وإنه ليرى أنك سلبته مُلكا . وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبي ما كان من أمر أبيه ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أُبَي لما بلغك عنه ; فإن كنت فاعلا فمُرني به ، فأنا أحمل إليك رأسه ! فوالله لقد علمت الخزرج ما بها رجل أبرّ بوالديه مني ، وأنا أخشى أن تأمر به غيري فيقتله ، فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبد الله بن أُبَي يمشي في الناس ، فأقتله ، فأقتل مؤمنا بكافر ، فأدخل النار . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بل نحسن صحبته ما بقي معنا " ، ولما وافى رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، قال زيد بن أرقم : جلست في البيت لما بي من الهم والحياء ، فأنزل الله تعالى سورة المنافقين في تصديقي وتكذيب عبد الله فلما نزلت أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأُذُن زيد ، فقال : " يا زيد ، إن الله تعالى صدقك وأوفى بأذنك " ، وكان عبد الله بن أُبَي بقرب المدينة ، فلما أراد أن يدخلها جاء ابنه عبد الله بن عبد الله حتى أناخ على مجامع طرق المدينة . فلما أن جاء عبد الله بن أبي قال ابنه : وراءك ! قال : ما لك ؟ ويلك ؟ ! قال : لا والله لا تدخلها أبدا إلا بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولتعلم اليوم من الأعز من الأذل ؟ فشكا عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع ابنه ، فأرسل إليه رسول الله " أن خل عنه حتى يدخل " فقال : أما إذ جاء أمر النبي صلى الله عليه وسلم فنعم ، فدخل ، فلما نزلت هذه السورة وبان كذبه قيل له : يا أبا حباب إنه قد نزلت فيك آي شداد فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر لك ، فلوى رأسه ، فذلك قوله : " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ " الآية.
** ورد عند القرطبي
قوله تعالى : " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ، سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ "
(*) لما نزل القرآن بصفتهم مشى إليهم عشائرهم وقالوا : افتضحتم بالنفاق فتوبوا إلى رسول الله من النفاق ، واطلبوا أن يستغفر لكم. فلووا رؤوسهم ؛ أي حركوها استهزاء وإباء ؛ قال ابن عباس. وعنه أنه كان لعبدالله بن أُبَيّ موقف في كل سبب يحض على طاعة الله وطاعة رسوله ؛ فقيل له : وما ينفعك ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم غضبان : فأْتِه يستغفر لك ؛ فأَبَى وقال : لا أذهب إليه.
وسبب نزول هذه الآيات أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا بني المصطلق على ماء يقال لـ "المريسيع" من ناحية "قديد" إلى الساحل ، فأزدحم أجير لعمر يقال له : "جهجاه" مع حليف لعبدالله بن أبي يقال له : "سنان" على ماء "بالمشلل" ؛ فصرخ جهجاه بالمهاجرين ، وصرخ سنان بالأنصار ؛ فلطم جهجاه سنانا فقال عبدالله بن أُبَيّ : أَوَقد فعلوها! والله ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال الأول : سمن كلبك يأكلك ، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز و يعني أُبَيًّا ، الأذل و يعني محمدا صلى الله عليه وسلم ، ثم قال لقومه : كفوا طعامكم عن هذا الرجل ، ولا تنفقوا على من عنده حتى ينفضوا ويتركوه ، فقال زيد بن أرقم ( وهو من رهط عبدالله ) أنت والله الذليل المنتقص في قومك ؛ ومحمد صلى الله عليه وسلم في عز من الرحمن ومودة من المسلمين ، والله لا أحبك بعد كلامك هذا أبدا. فقال عبدالله : اسكت إنما كنت ألعب. فأخبر زيد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : فأقسم بالله ما فعل ولا قال ؛ فعذره النبي صلى الله عليه وسلم ، قال زيد : فوجدت في نفسي ولا مِنِّي الناس ؛ فنزلت سورة المنافقين في تصديق زيد وتكذيب عبدالله ، فقيل لعبدالله : قد نزلت فيك آيات شديدة فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر لك ؛ فألوى برأسه ، فنزلت الآيات "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ .."
(*) وقيل : إنه لما قال ابن أُبَيّ : "لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ" ورجع إلى المدينة لم يلبث إلا أياما يسيرة حتى مات ؛ فاستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وألبسه قميصه ؛ فنزلت هذه الآية : " لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ "
** ورد عند الطبري
قوله تعالى : " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ "
(*) عن إبراهيم بن الحكم بن أبان ، قال : ثني أبي ، قال : ثني بشير بن مسلم " أنه قيل لعبد الله بن أُبَيّ ابن سلول : يا أبا حباب إنه قد أنزل فيك آي شداد ، فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك ، فلوى رأسه وقال : أمرتموني أن أومن فآمنت ، وأمرتموني أن أعطي زكاة مالي فأعطيت ، فما بقي إلا أن أسجد لمحمد " .
(*) عن يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا " . . . الآية كلها ، قرأها إلى " الْفَاسِقِينَ " أنزلت في عبد الله بن أُبَيّ ، وذلك أن غلاما من قرابته انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثه بحديث عنه وأمر شديد ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا هو يحلف ويتبرأ من ذلك ، وأقبلت الأنصار على ذلك الغلام ، فلاموه وعذلوه ، وقيل لعبد الله : لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعل يلوي رأسه ، أي لست فاعلا وكذب علي ، فأنزل الله ما تسمعون .
(*) عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ " قال : عبد الله بن أُبي ، قيل له : تعال ليستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلوى رأسه وقال : ماذا قلت؟ .
(*) عن معمر ، عن قتادة ، قال : قال له قومه : لو أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فاستغفر لك ، فجعل يلوي رأسه ، فنزلت فيه " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ " .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق