** ورد عند القرطبي
قوله تعالى : " وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً "
(*) روى الترمذي قال : عن الشعبي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية : " وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ " يعني بالإسلام " وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ " بالعتق فأعتقته " أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ"إلى قوله "وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً "
وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوجها قالوا : تزوج حليلة ابنه فأنزل الله تعالى : " مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ "
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم تبناه وهو صغير فلبث حتى صار رجلا يقال له زيد بن محمد فأنزل الله تبارك وتعالى " ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ" ، فلان مولى فلان وفلان أخو فلان هو أقسط عند الله يعني أعدل ..قال أبو عيسى : هذا حديث غريب قد روي عن داود بن أبي هند
* عن الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت : لو كان النبي صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية " وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ" هذا الحرف لم يرو بطوله ، قلت : هذا القدر هو الذي أخرجه مسلم في صحيحه وهو الذي صححه الترمذي في جامعه
(*) قوله تعالى:"وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ "
في البخاري عن أنس بن مالك أن هذه الآية "وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ " نزلت في شأن زينب بنت جحش وزيد بن حارثة وقال عمر وبن مسعود وعائشة والحسن : ما أنزل الله على رسوله آية أشد عليه من هذه الآية وقال الحسن وعائشة : لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية لشدتها عليه
* وروي في الخبر أنه : أمسى زيد فأوى إلى فراشه قالت زينب : ولم يستطعني زيد وما أمتنع منه غير ما منعه الله مني فلا يقدر عَلَيّ ..هذه رواية أبي عصمة نوح بن أبي مريم رفع الحديث إلى زينب أنها قالت ذلك
*وفي بعض الروايات : أن زيدا تَوَرَّم ذلك منه حين أراد أن يقرَبُها فهذا قريب من ذلك ، وجاء زيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن زينب تؤذيني بلسانها وتفعل وإني أريد أن أُطَلِّقها فقال له : " أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ .." الآية ، فطلقها زيد فنزلت : "وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ .." الآية
(*) وروي عن علي بن الحسين : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أوحى الله تعالى إليه أن زيدا يطلق زينب ،وأنه يتزوجها بتزويج الله إياها فلما تَشَكَّى زيد للنبي صلى الله عليه وسلم خُلُق زينب وأنها لا تطيعه وأعلمه أنه يريد طلاقها ، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم على جهة الأدب والوصية : اتق الله في قولك وأمسك عليك زوجك ، وهو يعلم أنه سيفارقها ويتزوجها وهذا هو الذي أُخْفِى في نفسه ولم يُرِد أن يأمره بالطَّلاق لما عَلِم أنه سيتزوجها وخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلحقه قَوْل من الناس في أن يتزوج زينب بعد زيد وهو مولاه وقد أَمَرَه بطلاقها ، فعاتبه الله تعالى على هذا القدر من أن خشي الناس في شيء قد أباحه الله له بأن قال : أمسك مع عِلْمه بأنه يُطَلِّق ، وأعلمه أن الله أحق بالخشية أي في كل حال
قال علماؤنا رحمة الله عليهم : وهذا القول أحسن ماقيل في تأويل هذه الآية وهو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين والعلماء الراسخين كالزهري والقاضي بكر بن العلاء القشيري والقاضي أبي بكر بن العربي وغيرهم
(*) والمراد بقوله تعالى : وتخشى الناس إنما هو إرجاف المنافقين بأنه نهى عن تزويج نساء الأبناء وتزوج بزوجة ابنه
فأما ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم هوي زينب امرأة زيد وربما أطلق بعض المُجان لفظ عشق فهذا إنما يصدر عن جاهل بعصمة النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا أو مستخف بِحُرْمَته قال الترمذي الحكيم في نوادر الأصول وأسند إلى علي بن الحسين قوله : فعلي بن الحسين جاء بهذا من خزانة العلم جوهرا من الجواهر ودُرًّا من الدُّرَر :أنه إنما عتب الله عليه في أنه قد أعلمه أن ستكون هذه من أزواجك فكيف قال بعد ذلك لزيد : " أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ " وأخذتك خشية الناس أن يقولوا : تزوج امرأة ابنه والله أحق أن تخشاه
(*) قال بن العربي : فإن قيل لأي معنى قال له :" أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ " وقد أخبره الله أنها زوجُه ، قلنا : أراد أن يختبر مِنه مَالم يَعلَمه الله من رَغبته فيها أو رَغبته عَنْها فأبدى له زيد من النَّفرة عنها والكراهة فيها مالم يكن عِلْمه مِنْه في أمرها
فإن قيل : كيف يأمره بالتمسك بها وقد علم أن الفراق لا بد منه وهذا تناقض ، قلنا : بل هو صحيح للمقاصد الصحيحة لإقامة الحُجَّة ومعرفة العاقبة ، ألا ترى أن الله تعالى يأمر العبد بالإيمان ،وقد علم أنه لا يؤمن فليس في مخالفة متعلق الأمر لمتعلق العِلْم ما يمنع من الأمر به عقلا وحكما وهذا من نفيس العِلم فتيقنوه وتقبلوه
وقوله : "وَاتَّقِ اللَّهَ " أي في طلاقها فلا تُطلِّقها وأراد نهي تنزيه لا نهي تحريم لأن الأَوْلى ألا يطلِّق
وقيل : "وَاتَّقِ اللَّهَ " فلا تذمها بالنسبة إلى الكِبْر وأَذَى الزوج
"وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ" : قيل مفارقة زيد إياها وقيل : علمه بأن زيدا سيطلقها لأن الله قد أعلمه بذلك
(*) روى الأئمة واللفظ لمسلم عن أنس قال : لما انقضت عدة زينب ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد : " فاذكُرْهَا عَلَيّ " ،قال : فانطلق زيد حتى أتاها وهي تخمر عجينها، قال : فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذَكَرها ،فوليتها ظهري ونكصت على عقبي ، فقلت : يا زينب أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك ،قالت : ما أنا بصانعة شيئا حتى أوامر ربي ، فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها بغير إذن ، قال : فقال ولقد رأيتنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعمنا الخبز واللحم حين امتد النهار ... الحديث
* وفي رواية عن أنس أيضا قال : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أَوْلَم على امرأة من نسائه ما أَوْلَم على زينب فإنه ذبح شاة
* قال علماؤنا : فقوله عليه السلام لزيد : " فاذكُرْهَا عَلَيّ " أي أخطبها كما بينه الحديث الأول وهذا امتحان لزيد واختبار له حتى يظهر صبره وانقياده وطوعه قلت : وقد يستنبط من هذا أن يقول الإنسان لصاحبه : اخطب على فلانة لزوجه المطلقة منه ولا حرج في ذلك والله أعلم
(*) لما وكلت أمرها إلى الله ، وصح تفويضها إليه تولّى الله إنكاحها ولذلك قال : "فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها "
(*) وروى الإمام جعفر بن محمد عن آبائه عن النبي صلى الله عليه وسلم :لما أعلمه الله بذلك دخل عليها بغير إذن ولا تجديد عقد ولا تقرير صداق ولا شيء مما يكون شرطا في حقوقنا ومشروعا لنا وهذا من خصوصياته صلى الله عليه وسلم التي لا يشاركه فيها أحد بإجماع من المسلمين ولهذا كانت زينب تفاخر نساء النبي صلى الله عليه وسلم وتقول : زوجكن آباؤكن وزوجني الله تعالى
(*) قال الإمام أبو القاسم عبد الرحمن السهيلي رضي الله عنه : كان يقال زيد بن محمد حتى نزل " ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ " فقال : أنا زيد بن حارثة وحرم عليه أن يقول : أنا زيد بن محمد ، فلما نزع عنه هذا الشرف وهذا الفخر وعلم الله وحشته من ذلك شرفه بخصيصة لم يكن يخص بها أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهي أنه سماه في القرآن فقال تعالى : " فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً " يعني من زينب ومن ذكره الله تعالى بإسمه في الذكر الحكيم حتى صار اسمه قرآنا يتلى في المحاريب نوه به غاية التنويه فكان في هذا تأنيس له وعوض من الفخر بأبوة محمد صلى الله عليه وسلم له ، ألا ترى إلى قول أبي بن كعب حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله أمرني أن أقرأ عليك سورة كذا " فبكى وقال : أوذكرت هنالك وكان بكاؤه من الفرح حين أخبر أن الله تعالى ذكره فكيف بمن صار اسمه قرآنا يتلى، مخلدا لا يبيد يتلوه أهل الدنيا إذا قرؤوا القرآن وأهل الجنة كذلك أبدا لا يزال على ألسنة المؤمنين كما لم يزل مذكورا على الخصوص عند رب العالمين إذ القرآن كلام الله القديم وهو باق لا يبيد فاسم زيد هذا في الصحف المكرمة المرفوعة المطهرة تذكرة في التلاوة السفرة الكرام البررة وليس ذلك لإسم من أسماء المؤمنين إلا لنبي من الأنبياء ولزيد بن حارثة تعويضا من الله تعالى له مما نزع عنه وزاد في الآية أن قال : " وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ "أي بالإيمان فدل على أنه من أهل الجنة علم ذلك قبل أن يموت وهذه فضيلة أخرى
** ورد عند ابن كثير
قوله تعالى : " وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً "
(*) كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد زَوَّجَهُ بابْنَة عمته زينب بنت جحش الأسدية رضي الله عنها، وأمّها أُمَيْمة بنت عبد المطّلب، وأصْدَقَها عشرة دنانير وستِّين درهمًا، وخِمَارًا ومِلْحَفة ودرْعًا، وخمْسِين مُدًّا مِن طعام وعشْرة أَمْدَاد مِن تَمْر، قاله مقاتل بن حيان
فمكث عنْدَهُ قريبًا مِن سَنَة أَو فَوْقها، ثُمّ وَقَع بَيْنهما، فجاء زَيْد يَشْكُوها إِلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ، فجَعَل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقُول له: "أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ" ، قال اللَّه تَعالى: "وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ"
(*) روى البخاريّ : عن أَنَس بن مالك رضي اللَّه عَنْه قال: إِنّ هذه الآية "وتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ " نزلت في زَيْد، حدَّثنا ثابت عن أَنَس بن مالك رضي اللَّه عنه. قال: إِنّ هذه الآية "وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ " نَزَلَتْ في شَأْن زينب بنت جحش وزَيْد بن حارثة رضي اللَّه عنهما.
(*) عن عَلِيّ بن زَيْد بن جُدْعان قال: سَأَلَني عَلِيّ بن الحسين رضي الله عنهما ما يقول الحسن في قوله تعالى: "وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ " ،فذكرت له، فقال: لا ولكن الله تعالى أَعْلَمَ نَبِيَّهُ أَنَّها سَتَكون مِن أَزْوَاجه قَبْل أن يتزوجها، فلما أتاه زيد رضي الله عنه لِيَشْكُوَها إِلَيْه قال: "اتَّقِ اللَّهَ وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ" ، فقال: قد أَخْبَرْتك أَنّي مُزَوِّجُكَهَا "وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ". وهكذا رُوي عن السّدّيّ أنّه قال نحو ذلك.
(*) عن عامر عن عائِشة رضي اللَّه عنها أَنَّها قالتْ: لَوْ كَتَمَ مُحَمَّد صلّى اللَّه عليه وسلّم شَيْئًا ممّا أُوحِيَ إِلَيه مِن كتاب الله تعالى لكَتَم "وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ"
(*) عن ثابِت عن أنَس رضي اللَّه عنه قال: لمَّا انقضت عدة زينب رضي الله عنها قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لزَيْد بن حارثة "اذْهَب فاذْكُرْهَا عَلَيَّ" ،فانطَلَق حتّى أتاها وهي تُخَمِّرُ عَجِينها، قال: فلمَّا رأَيْتها عَظُمت في صَدْري حتّى ما أَسْتطيع أن أنظر إليها وأقول أن رسول الله صلّى اللَّه عليه وسلّم ذَكَرَها، فوَلَّيْتُها ظَهْري ونَكَصْتُ عَلَى عَقِبِي، وقُلْتُ: يا زَيْنب أبشِري أَرسَلَنِي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يذكُرُكِ، قالَتْ: ما أَنا بِصَانِعة شيْئًا حتَّى أُؤَامر ربِّي عزّ وجلّ، فقَامَت إلى مَسْجِدها، ونَزَل القُرْآن، وجاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فدَخَل عليها بِغَيْر إِذْن، ولَقَدْ رأَيْتُنا حين دَخَلْتُ عَلَى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأطعمنا عَلَيْهَا الخُبْز واللَّحْم.. إلى آخر الحديث ، ورواه مُسْلم والنّسائِيّ مِن طُرُق عَن سُليمان بن المُغيرة به.
(*) وقوله تعالى:" لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً "أَي إِنّما أَبَحْنَا لَكَ تَزْوِيجَهَا، وفعَلْنا ذلك لِئَلَّا يَبقى حَرَج على المؤمنين في تزويج مطلقات الأدْعِياء، وذلك أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان قَبْل النّبوّة قد تَبَنَّى زيد بن حارثة رضي الله عنه، فكان يقول لَهُ زَيْد بن محمَّد، فلمَّا قَطَع اللَّه تعالى هذه النِّسْبَة بقَوْله تَعَالى: "وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ " إلى قوله تعالى" ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ " ، ثُمّ زاد ذلك بَيَانًا وتَأكِيدًا بوقُوع تَزْوِيج رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش رضي الله عنها، لما طلَّقها زيْد بن حارثة رضي الله عنه، ولهذا قال تعالى في آية التحريم "وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ" ليَحْتَرِز مِن الِابْن الدَّعِيّ، فإِنَّ ذلك كان كثيرا فيهم.
(*) وقوله تعالى:"وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا" أَي وكان هذا الأمْرُ الّذي وَقَع قَدْ قَدَّرَه اللَّه تعالى وحَتَّمَه وهُو كَائن لا مَحَالة، كانت زَيْنَب رضي الله عنها فِي عِلْمِ اللَّهِ سَتَصِير مِن أَزْوَاج النَّبِيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم
قوله تعالى : " وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً "
(*) روى الترمذي قال : عن الشعبي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية : " وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ " يعني بالإسلام " وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ " بالعتق فأعتقته " أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ"إلى قوله "وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً "
وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوجها قالوا : تزوج حليلة ابنه فأنزل الله تعالى : " مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ "
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم تبناه وهو صغير فلبث حتى صار رجلا يقال له زيد بن محمد فأنزل الله تبارك وتعالى " ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ" ، فلان مولى فلان وفلان أخو فلان هو أقسط عند الله يعني أعدل ..قال أبو عيسى : هذا حديث غريب قد روي عن داود بن أبي هند
* عن الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت : لو كان النبي صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية " وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ" هذا الحرف لم يرو بطوله ، قلت : هذا القدر هو الذي أخرجه مسلم في صحيحه وهو الذي صححه الترمذي في جامعه
(*) قوله تعالى:"وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ "
في البخاري عن أنس بن مالك أن هذه الآية "وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ " نزلت في شأن زينب بنت جحش وزيد بن حارثة وقال عمر وبن مسعود وعائشة والحسن : ما أنزل الله على رسوله آية أشد عليه من هذه الآية وقال الحسن وعائشة : لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية لشدتها عليه
* وروي في الخبر أنه : أمسى زيد فأوى إلى فراشه قالت زينب : ولم يستطعني زيد وما أمتنع منه غير ما منعه الله مني فلا يقدر عَلَيّ ..هذه رواية أبي عصمة نوح بن أبي مريم رفع الحديث إلى زينب أنها قالت ذلك
*وفي بعض الروايات : أن زيدا تَوَرَّم ذلك منه حين أراد أن يقرَبُها فهذا قريب من ذلك ، وجاء زيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن زينب تؤذيني بلسانها وتفعل وإني أريد أن أُطَلِّقها فقال له : " أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ .." الآية ، فطلقها زيد فنزلت : "وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ .." الآية
(*) وروي عن علي بن الحسين : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أوحى الله تعالى إليه أن زيدا يطلق زينب ،وأنه يتزوجها بتزويج الله إياها فلما تَشَكَّى زيد للنبي صلى الله عليه وسلم خُلُق زينب وأنها لا تطيعه وأعلمه أنه يريد طلاقها ، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم على جهة الأدب والوصية : اتق الله في قولك وأمسك عليك زوجك ، وهو يعلم أنه سيفارقها ويتزوجها وهذا هو الذي أُخْفِى في نفسه ولم يُرِد أن يأمره بالطَّلاق لما عَلِم أنه سيتزوجها وخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلحقه قَوْل من الناس في أن يتزوج زينب بعد زيد وهو مولاه وقد أَمَرَه بطلاقها ، فعاتبه الله تعالى على هذا القدر من أن خشي الناس في شيء قد أباحه الله له بأن قال : أمسك مع عِلْمه بأنه يُطَلِّق ، وأعلمه أن الله أحق بالخشية أي في كل حال
قال علماؤنا رحمة الله عليهم : وهذا القول أحسن ماقيل في تأويل هذه الآية وهو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين والعلماء الراسخين كالزهري والقاضي بكر بن العلاء القشيري والقاضي أبي بكر بن العربي وغيرهم
(*) والمراد بقوله تعالى : وتخشى الناس إنما هو إرجاف المنافقين بأنه نهى عن تزويج نساء الأبناء وتزوج بزوجة ابنه
فأما ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم هوي زينب امرأة زيد وربما أطلق بعض المُجان لفظ عشق فهذا إنما يصدر عن جاهل بعصمة النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا أو مستخف بِحُرْمَته قال الترمذي الحكيم في نوادر الأصول وأسند إلى علي بن الحسين قوله : فعلي بن الحسين جاء بهذا من خزانة العلم جوهرا من الجواهر ودُرًّا من الدُّرَر :أنه إنما عتب الله عليه في أنه قد أعلمه أن ستكون هذه من أزواجك فكيف قال بعد ذلك لزيد : " أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ " وأخذتك خشية الناس أن يقولوا : تزوج امرأة ابنه والله أحق أن تخشاه
(*) قال بن العربي : فإن قيل لأي معنى قال له :" أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ " وقد أخبره الله أنها زوجُه ، قلنا : أراد أن يختبر مِنه مَالم يَعلَمه الله من رَغبته فيها أو رَغبته عَنْها فأبدى له زيد من النَّفرة عنها والكراهة فيها مالم يكن عِلْمه مِنْه في أمرها
فإن قيل : كيف يأمره بالتمسك بها وقد علم أن الفراق لا بد منه وهذا تناقض ، قلنا : بل هو صحيح للمقاصد الصحيحة لإقامة الحُجَّة ومعرفة العاقبة ، ألا ترى أن الله تعالى يأمر العبد بالإيمان ،وقد علم أنه لا يؤمن فليس في مخالفة متعلق الأمر لمتعلق العِلْم ما يمنع من الأمر به عقلا وحكما وهذا من نفيس العِلم فتيقنوه وتقبلوه
وقوله : "وَاتَّقِ اللَّهَ " أي في طلاقها فلا تُطلِّقها وأراد نهي تنزيه لا نهي تحريم لأن الأَوْلى ألا يطلِّق
وقيل : "وَاتَّقِ اللَّهَ " فلا تذمها بالنسبة إلى الكِبْر وأَذَى الزوج
"وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ" : قيل مفارقة زيد إياها وقيل : علمه بأن زيدا سيطلقها لأن الله قد أعلمه بذلك
(*) روى الأئمة واللفظ لمسلم عن أنس قال : لما انقضت عدة زينب ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد : " فاذكُرْهَا عَلَيّ " ،قال : فانطلق زيد حتى أتاها وهي تخمر عجينها، قال : فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذَكَرها ،فوليتها ظهري ونكصت على عقبي ، فقلت : يا زينب أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك ،قالت : ما أنا بصانعة شيئا حتى أوامر ربي ، فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها بغير إذن ، قال : فقال ولقد رأيتنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعمنا الخبز واللحم حين امتد النهار ... الحديث
* وفي رواية عن أنس أيضا قال : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أَوْلَم على امرأة من نسائه ما أَوْلَم على زينب فإنه ذبح شاة
* قال علماؤنا : فقوله عليه السلام لزيد : " فاذكُرْهَا عَلَيّ " أي أخطبها كما بينه الحديث الأول وهذا امتحان لزيد واختبار له حتى يظهر صبره وانقياده وطوعه قلت : وقد يستنبط من هذا أن يقول الإنسان لصاحبه : اخطب على فلانة لزوجه المطلقة منه ولا حرج في ذلك والله أعلم
(*) لما وكلت أمرها إلى الله ، وصح تفويضها إليه تولّى الله إنكاحها ولذلك قال : "فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها "
(*) وروى الإمام جعفر بن محمد عن آبائه عن النبي صلى الله عليه وسلم :لما أعلمه الله بذلك دخل عليها بغير إذن ولا تجديد عقد ولا تقرير صداق ولا شيء مما يكون شرطا في حقوقنا ومشروعا لنا وهذا من خصوصياته صلى الله عليه وسلم التي لا يشاركه فيها أحد بإجماع من المسلمين ولهذا كانت زينب تفاخر نساء النبي صلى الله عليه وسلم وتقول : زوجكن آباؤكن وزوجني الله تعالى
(*) قال الإمام أبو القاسم عبد الرحمن السهيلي رضي الله عنه : كان يقال زيد بن محمد حتى نزل " ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ " فقال : أنا زيد بن حارثة وحرم عليه أن يقول : أنا زيد بن محمد ، فلما نزع عنه هذا الشرف وهذا الفخر وعلم الله وحشته من ذلك شرفه بخصيصة لم يكن يخص بها أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهي أنه سماه في القرآن فقال تعالى : " فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً " يعني من زينب ومن ذكره الله تعالى بإسمه في الذكر الحكيم حتى صار اسمه قرآنا يتلى في المحاريب نوه به غاية التنويه فكان في هذا تأنيس له وعوض من الفخر بأبوة محمد صلى الله عليه وسلم له ، ألا ترى إلى قول أبي بن كعب حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله أمرني أن أقرأ عليك سورة كذا " فبكى وقال : أوذكرت هنالك وكان بكاؤه من الفرح حين أخبر أن الله تعالى ذكره فكيف بمن صار اسمه قرآنا يتلى، مخلدا لا يبيد يتلوه أهل الدنيا إذا قرؤوا القرآن وأهل الجنة كذلك أبدا لا يزال على ألسنة المؤمنين كما لم يزل مذكورا على الخصوص عند رب العالمين إذ القرآن كلام الله القديم وهو باق لا يبيد فاسم زيد هذا في الصحف المكرمة المرفوعة المطهرة تذكرة في التلاوة السفرة الكرام البررة وليس ذلك لإسم من أسماء المؤمنين إلا لنبي من الأنبياء ولزيد بن حارثة تعويضا من الله تعالى له مما نزع عنه وزاد في الآية أن قال : " وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ "أي بالإيمان فدل على أنه من أهل الجنة علم ذلك قبل أن يموت وهذه فضيلة أخرى
** ورد عند ابن كثير
قوله تعالى : " وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً "
(*) كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد زَوَّجَهُ بابْنَة عمته زينب بنت جحش الأسدية رضي الله عنها، وأمّها أُمَيْمة بنت عبد المطّلب، وأصْدَقَها عشرة دنانير وستِّين درهمًا، وخِمَارًا ومِلْحَفة ودرْعًا، وخمْسِين مُدًّا مِن طعام وعشْرة أَمْدَاد مِن تَمْر، قاله مقاتل بن حيان
فمكث عنْدَهُ قريبًا مِن سَنَة أَو فَوْقها، ثُمّ وَقَع بَيْنهما، فجاء زَيْد يَشْكُوها إِلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ، فجَعَل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقُول له: "أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ" ، قال اللَّه تَعالى: "وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ"
(*) روى البخاريّ : عن أَنَس بن مالك رضي اللَّه عَنْه قال: إِنّ هذه الآية "وتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ " نزلت في زَيْد، حدَّثنا ثابت عن أَنَس بن مالك رضي اللَّه عنه. قال: إِنّ هذه الآية "وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ " نَزَلَتْ في شَأْن زينب بنت جحش وزَيْد بن حارثة رضي اللَّه عنهما.
(*) عن عَلِيّ بن زَيْد بن جُدْعان قال: سَأَلَني عَلِيّ بن الحسين رضي الله عنهما ما يقول الحسن في قوله تعالى: "وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ " ،فذكرت له، فقال: لا ولكن الله تعالى أَعْلَمَ نَبِيَّهُ أَنَّها سَتَكون مِن أَزْوَاجه قَبْل أن يتزوجها، فلما أتاه زيد رضي الله عنه لِيَشْكُوَها إِلَيْه قال: "اتَّقِ اللَّهَ وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ" ، فقال: قد أَخْبَرْتك أَنّي مُزَوِّجُكَهَا "وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ". وهكذا رُوي عن السّدّيّ أنّه قال نحو ذلك.
(*) عن عامر عن عائِشة رضي اللَّه عنها أَنَّها قالتْ: لَوْ كَتَمَ مُحَمَّد صلّى اللَّه عليه وسلّم شَيْئًا ممّا أُوحِيَ إِلَيه مِن كتاب الله تعالى لكَتَم "وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ"
(*) عن ثابِت عن أنَس رضي اللَّه عنه قال: لمَّا انقضت عدة زينب رضي الله عنها قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لزَيْد بن حارثة "اذْهَب فاذْكُرْهَا عَلَيَّ" ،فانطَلَق حتّى أتاها وهي تُخَمِّرُ عَجِينها، قال: فلمَّا رأَيْتها عَظُمت في صَدْري حتّى ما أَسْتطيع أن أنظر إليها وأقول أن رسول الله صلّى اللَّه عليه وسلّم ذَكَرَها، فوَلَّيْتُها ظَهْري ونَكَصْتُ عَلَى عَقِبِي، وقُلْتُ: يا زَيْنب أبشِري أَرسَلَنِي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يذكُرُكِ، قالَتْ: ما أَنا بِصَانِعة شيْئًا حتَّى أُؤَامر ربِّي عزّ وجلّ، فقَامَت إلى مَسْجِدها، ونَزَل القُرْآن، وجاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فدَخَل عليها بِغَيْر إِذْن، ولَقَدْ رأَيْتُنا حين دَخَلْتُ عَلَى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأطعمنا عَلَيْهَا الخُبْز واللَّحْم.. إلى آخر الحديث ، ورواه مُسْلم والنّسائِيّ مِن طُرُق عَن سُليمان بن المُغيرة به.
(*) وقوله تعالى:" لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً "أَي إِنّما أَبَحْنَا لَكَ تَزْوِيجَهَا، وفعَلْنا ذلك لِئَلَّا يَبقى حَرَج على المؤمنين في تزويج مطلقات الأدْعِياء، وذلك أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان قَبْل النّبوّة قد تَبَنَّى زيد بن حارثة رضي الله عنه، فكان يقول لَهُ زَيْد بن محمَّد، فلمَّا قَطَع اللَّه تعالى هذه النِّسْبَة بقَوْله تَعَالى: "وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ " إلى قوله تعالى" ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ " ، ثُمّ زاد ذلك بَيَانًا وتَأكِيدًا بوقُوع تَزْوِيج رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش رضي الله عنها، لما طلَّقها زيْد بن حارثة رضي الله عنه، ولهذا قال تعالى في آية التحريم "وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ" ليَحْتَرِز مِن الِابْن الدَّعِيّ، فإِنَّ ذلك كان كثيرا فيهم.
(*) وقوله تعالى:"وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا" أَي وكان هذا الأمْرُ الّذي وَقَع قَدْ قَدَّرَه اللَّه تعالى وحَتَّمَه وهُو كَائن لا مَحَالة، كانت زَيْنَب رضي الله عنها فِي عِلْمِ اللَّهِ سَتَصِير مِن أَزْوَاج النَّبِيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق