(*) عن أبي سعيد الخدريّ: أَنّ رِجَالًا من المنافقين على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلى الغزو تَخَلّفُوا عنه، فإذا قدم اعتَذروا إليه وحَلفُوا وأحَبُّوا أن يُحمَدُوا بما لَم يفعلُوا، فنزلت:" لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا"الآية .. رواه مسلم
(*) عن زيد بن أسلم : أنّ مروان بن الحكم كَان يومًا وهو أمير عَلَى المدينة عنده أَبو سعيد الخدريّ، وزَيْد بن ثابت، ورافع بن خَدِيج فقال مروَان: يا أَبا سعِيد، أَرأَيْتَ قوله تعالى: "لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا" واللَّه إنّا لنفرح بما أتيْنا، ونُحِب أَن نُحْمَد بما لم نفعل؟
فقال أبو سعيد: ليس هذا في هذا، إنَّما كان رجال في زمن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يتخلّفُون عنه وعن أَصحابه في المَغازي، فإذا كانت فيهم النّكْبة وما يَكرهُون فرحوا بتَخَلُّفهم، فإِذا كان فيهم ما يُحبُّون حَلفوا لهم، وأحبُّوا أَن يُحمَدوا بِما لَم يَفعَلُوا
(*)عن علقمة بن وقّاص، أَخبره أَنّ مروان قال لرافع بوَّابه :
اذهَب إِلى ابن عَبَّاس ، وقُل لَه : لَئِن كان كلّ امرئ مِنَّا فَرح بِما أتى، وأَحَبّ أَن يُحْمَد بما لَم يفعل عُذِّب.. لَنُعَذَّبنّ أَجمعين
فقال ابن عبّاس: ما لَكُم ولهذا ؟ إِنّما دعا النّبيّ صلى الله عليه وسلم اليهود فسألهم عن شيء، فكَتَموه إِيّاه وأخبرُوه بغيْره، فأَروه أَن قد استَحمدُوا إِليه لما أخبَرُوه عنه فيما سألهم، وفَرحُوا بما أَتَوْا من كتمانهم إيّاه. ثُم قرأ ابن عباس :" وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ" رواه البخاري عن إِبراهيم بن موسى عن هشام ، ورواه مسلم عن زُهير بن حرْب عن حجّاج ، كلاهما عن ابن جُريج .
(*) وقال الضحاك : كتب يهود المدينة إلى يهود العراق واليمن ومن بلغهم كتابهم من اليهود في الأرض كلِّها: أنّ محمَّدًا لَيس نبيّ اللَّه، فاثبُتُوا على دينكم، وأجمعوا كلمتكم عَلَى ذلك ، فأجمَعَت كلمَتهُم بالكُفْر بمُحمَّد صلى الله عليه وسلم والقُرآن. ففرحوا بذلك. وقالوا: الحمد للَّه الَّذي جمع كلمَتنا ولن نتفرّق، ولم نَترك ديننا، وقالوا: نحن أَهل الصَّوم والصَّلاة ونحن أولياء اللَّه. فذلك قَوْل اللَّه تعالى:"يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا" بما فعلوا "وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا" يعني بما ذَكَرُوا من الصَّوم والصّلاة والعِبادة
** ورد عند القرطبي
قوله تعالى: " لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ".
(*) ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري أن رجالا من المنافقين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم
فإذا قَدِم النبي صلى الله عليه وسلم اعتذروا إليه وحلفوا ، وأحبوا أن يُحمدوا بما لم يفعلوا; فنزلت :" لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا "الآية
(*) وفي الصحيحين أيضا أن مروان قال لبوابه : اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل له : لئن كان كل امرئ منا فرح بما أوتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذبن أجمعون
فقال ابن عباس : ما لكم ولهذه الآية ! إنما أنزلت هذه الآية في أهل الكتاب. ثم تلا ابن عباس:"وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ *لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ".
وقال ابن عباس: سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه إياه، وأخبروه بغيره; فخرجوا وقد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه واستحمدوا بذلك إليه، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه، وما سألهم عنه
(*) وقال محمد بن كعب القرظي: نزلت في علماء بني إسرائيل الذين كتموا الحق، وأتوا ملوكهم من العلم ما يوافقهم في باطلهم، واشتروا به ثمنا قليلا أي بما أعطاهم الملوك من الدنيا; فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: "لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ".. فأخبر أن لهم عذابا أليما بما أفسدوا من الدين على عباد الله
(*) وقال الضحاك: إن اليهود كانوا يقولون للملوك إنا نجد في كتابنا أن الله يبعث نبينا في آخر الزمان يختم به النبوة; فلما بعثه الله سألهم الملوك أهو هذا الذي تجدونه في كتابكم؟ فقال اليهود طمعا في أموال الملوك: هو غير ذلك، فأعطاهم الملوك الخزائن; فقال الله تعالى: "لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" .. بما أتوا الملوك من الكذب حتى يأخذوا عرض الدنيا
ويحتمل أن يكون نزولها على السببين لاجتماعهما في زمن واحد ، فكانت جوابا للفريقين ، والله أعلم
** ورد عند ابن الجوزي
قوله تعالى: " لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ".
وفي سبب نزولها ثمانية أقوال .
(*) أحدها: أن النبي صلى الله عليه وسلم ، سأل اليهود عن شيء ، فكتموه ، وأخبروه بغيره ، وأروه أنهم قد أخبروه به ، واستحمدوا بذلك إليه ، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ، فنزلت هذه الآية .
(*) والثاني: أنها نزلت في قوم من اليهود ، فرحوا بما يصيبون من الدنيا ، وأحبوا أن يقول الناس: إنهم علماء ، وهذا القول ، والذي قبله عن ابن عباس .
(*) والثالث: أن اليهود قالوا: نحن على دين إبراهيم ، وكتموا ذكر محمد صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية ، قاله سعيد بن جبير.
(*) والرابع: أن يهود المدينة كتبت إلى يهود العراق واليمن ، ومن بلغهم كتابهم من اليهود في الأرض كلها: أن محمدا ليس بنبي ، فاثبتوا على دينكم ، فاجتمعت كلمتهم على الكفر به ، ففرحوا بذلك ، وقالوا: نحن أهل الصوم والصلاة ، وأولياء الله ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول الضحاك ، والسدي
(*) والخامس: أن يهود خيبر أتوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فقالوا: نحن على رأيكم ، ونحن لكم ردء ، وهم مستمسكون بضلالتهم ، فأرادوا أن يحمدهم نبي لله بما لم يفعلوا ، فنزلت هذه الآية ، قاله قتادة .
(*) والسادس: أن ناسا من اليهود جهزوا جيشا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، واتفقوا عليهم ، فنزلت هذه الآية ، قاله إبراهيم النخعي .
(*) والسابع أن قوما من أهل الكتاب دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم خرجوا من عنده فذكروا للمسلمين أنهم قد أخبروا بأشياء قد عرفوها ، فحمدوهم ، وأبطنوا خلاف ما أظهروا ، فنزلت هذه الآية ، ذكره الزجاج .
(*) والثامن: أن رجالا من المنافقين كانوا يتخلفون عن الغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا قدم ، اعتذروا إليه ، وحلفوا ، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا ، فنزلت هذه الآية ، قاله أبو سعيد الخدري ، وهذا القول يدل على أنها نزلت في المنافقين ، وما قبله من الأقوال يدل على أنها في اليهود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق