<title>يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ... سورة البقرة ~ أسباب نزول آيات القرآن

الأربعاء، 20 يونيو 2018

يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ... سورة البقرة

** ورد عند الواحدي
قوله تعالى : " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ "
(*) عن الزهري ، قال : أخبرني عروة بن الزبير أن رسول الله   صلى الله عليه وسلم   ، بعث سَريّة من المسلمين وأمَّر عليهم عبد الله بن جحش الأسدي ، فانطلقوا حتى هبطوا نخلة ووجدوا بها عمرو بن الحضرمي في عير تجارة لقريش ، في يوم بقي من الشهر الحرام ، فاختصم المسلمون فقال قائل منهم : لا نعلم هذا اليوم إلا من الشهر الحرام ، ولا نرى أن تستَحِلُّوه لطمع أشفيتم عليه . فغلب على الأمر الذين يريدون عرض الدنيا ، فشدوا على ابن الحضرمي فقتلوه وغنموا عيره ، فبلغ ذلك كفار قريش ، وكان ابن الحضرمي أول قتيل قتل بين المسلمين وبين المشركين ، فركب وفد من كفار قريش حتى قدموا على النبي   صلى الله عليه وسلم  ، فقالوا : أَتُحِلّ القتال في الشهر الحرام ؟ فأنزل الله تعالى : " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ " إلى آخر الآية .
(*) عن محمد بن إسحاق ، عن الزهري قال : بعث رسول الله   صلى الله عليه وسلم   ، عبد الله بن جحش ومعه نفر من المهاجرين ، فقتل عبد الله بن واقد الليثي عمرو بن الحضرمي ، في آخر يوم من رجب وأَسَرُوا رَجُليْن ، واستاقوا العير ، فوقف على ذلك النبي   صلى الله عليه وسلم  ، وقال : لم آمركم بالقتال في الشهر الحرام . فقالت قريش : استحل محمد الشهر الحرام ، فنزلت " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ " إلى قوله : " وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ " . أي قد كانوا يفتنونكم وأنتم في حرم الله بعد إيمانكم ، وهذا أكبر عند الله من أن تقتلوهم في الشهر الحرام مع كفرهم بالله.
قال الزهري : لما نزل هذا قبض رسول الله    صلى الله عليه وسلم   العير وفادى الأسيرين . ولما فرج الله تعالى عن أهل تلك السرية ما كانوا فيه من غم ، طمعوا فيما عند الله من ثوابه ، فقالوا : يا نبي الله أنطمع أن تكون غزوة ولا نعطى فيها أجر المجاهدين في سبيل الله ، فأنزل الله تعالى فيها : " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ "الآية .
(*) قال المفسرون : بعث رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، عبد الله بن جحش ، وهو ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم ، في جمادى الآخرة ، قبل قتال بدر بشهرين ، على رأس سبعة عشر شهرا من مَقدِمِه المدينة ، وبعث معه ثمانية رهط من المهاجرين : سعد بن أبي وقاص الزهري ، وعكاشة بن محصن الأسدي ، وعتبة بن غزوان السلمي ، وأبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة ، وسهيل بن بيضاء ، وعامر بن ربيعة ، وواقد بن عبد الله ، وخالد بن بكير ، وكتب لأميرهم عبد الله بن جحش كتابا وقال : سِر على اسم الله ، ولا تنظر في الكتاب حتى تسير يومين ، فإذا نزلت منزلين فافتح الكتاب واقرأه على أصحابك ، ثم امض لما أمرتك ، ولا تستكرهن أحدا من أصحابك على المسير معك ، فسار عبد الله يومين ، ثم نزل وفتح الكتاب فإذا فيه :" بسم الله الرحمن الرحيم . أما بعد ، فسر على بركة الله بمن تبعك من أصحابك حتى تنزل بطن نخلة ، فترصد بها عير قريش لعلك أن تأتينا منه بخبر " فلما نظر عبد الله في الكتاب قال : سمعا وطاعة ، ثم قال لأصحابه ذلك وقال : إنه قد نهاني أن أستكره أحدا منكم .
حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع ، وقد أضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيرا لهما كانا يَعْتَقِبَانِه ، فاستأذنا أن يتخلفا في طلب بعيرهما، فأذن لهما فتخلّفا في طلبه ، ومضى عبد الله ببقية أصحابه حتى وصلوا بطن نخلة بين مكة والطائف، فبينما هم كذلك إذ مرت بهم عير لقريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة من تجارة الطائف ، فيهم عمرو بن الحضرمي ، والحكم بن كيسان ، وعثمان بن عبد الله بن المغيرة، ونوفل بن عبد الله ، المخزوميان . فلما رأوا أصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم  ، هابوهم ، فقال عبد الله بن جحش : إن القوم قد ذعروا منكم ، فاحلقوا رأس رجل منكم فليتعرض لهم ، فإذا رأوه محلوقا أمنوا وقالوا : قوم عمار، فحلقوا رأس عكاشة، ثم أشرف عليهم فقالوا: قوم عمار لا بأس عليكم. فأمنوهم ، وكان ذلك في آخر يوم من جمادى الآخرة ، وكانوا يرون أنه من جمادى أو هو رجب ، فتشاور القوم فيهم وقالوا : لئن تركتموهم هذه الليلة ليدخلن الحرم فليمتنعن منكم ، فأجمعوا أمرهم في مواقعة القوم ، فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله ، فكان أول قتيل من المشركين ، واستأسر الحكم وعثمان ، فكانا أول أسيرين في الإسلام . وأفلت نوفل وأعجزهم . واستاق المؤمنون العير والأسيرين حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بالمدينة
فقالت قريش : قد استحل محمد الشهر الحرام ، شهرا يأمن فيه الخائف وييذعر الناس لمعاشهم ، فسفك فيه الدماء وأخذ فيه الحرائب ، وعير بذلك أهل مكة من كان بها من المسلمين فقالوا : يا معشر الصباة ، استحللتم الشهر الحرام فقاتلتم فيه . وتفاءلت اليهود بذلك وقالوا : واقد وقدت الحرب وعمرو عمرت الحرب والحضرمي : حضرت الحرب ، وبلغ ذلك رسول الله  صلى الله عليه وسلم فقال لابن جحش وأصحابه : ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام ، ووقف العير والأسيرين ، وأبى أن يأخذ من ذلك شيئا ، فعَظُم ذلك على أصحاب السَرَيَّة ، وظنوا أن قد هلكوا ، وسقط في أيديهم ، وقالوا : يا رسول الله ، إنا قتلنا ابن الحضرمي ثم أمسينا فنظرنا إلى هلال رجب ، فلا ندري أَفِي رجب أصبناه أو في جمادى ؟ وأكثر الناس في ذلك ،
فأنزل الله تعالى : "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ " الآية . فأخذ رسول الله   صلى الله عليه وسلم   العير فعزل منها الْخُمُس ، فكان أول خُمُس في الإسلام ، وقسَّم الباقي بين أصحاب السريَّة فكان أول غنيمة في الإسلام . وبعث أهل مكة في فداء أسيريهم فقال : بل نقفهما حتى يقدم سعد وعتبة ، فإن لم يقدما قتلناهما بهما . فلما قدما فاداهما . وأما الحكم بن كيسان فأسلم وأقام مع رسول الله   صلى الله عليه وسلم   بالمدينة فقُتِلَ يوم بئر معُونة شهيدا . وأما عثمان بن عبد الله فرجع إلى مكة فمات بها كافرا . وأما نوفل فضرب بطن فرسه يوم الأحزاب ليدخل الخندق على المسلمين فوقع في الخندق مع فرسه فتحطما جميعا . فقتله الله تعالى وطلب المشركون جيفته بالثمن ، فقال رسول الله   صلى الله عليه وسلم   : خذوه فإنه خبيث الجيفة ، خبيث الدية . فهذا سبب نزول قوله تعالى : " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ " والآية التي بعدها .
** وورد عند القرطبي
قوله تعالى: " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ "
 (*) قوله تعالى: " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ .. "
روى أبو اليسار عن جندب بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رهطا وبعث عليهم أبا عبيدة بن الحارث أو عبيدة بن الحارث ، فلما ذهب لِيَنْطَلِقَ بَكَى صَبَابَةً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبعث عبد الله بن جحش ، وكتب له كتابا وأمره ألا يقرأ الكتاب حتى يبلغ مكان كذا وكذا ، وقال : ولا تكرهن أصحابك على المسير ، فلما بلغ المكان قرأ الكتاب فاسترجع وقال : سمعا وطاعة لله ولرسوله ، قال : فرجع رجلان ومضى بقيتهم ، فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه ، ولم يدروا أن ذلك اليوم من رجب ، فقال المشركون : قتلتم في الشهر الحرام ، فأنزل الله تعالى : " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ " الآية . 
(*) ورُوي أن سبب نزولها أن رجلين من بني كلاب لقيا عمرو بن أمية الضمري وهو لا يعلم أنهما كانا عند النبي صلى الله عليه وسلم وذلك في أول يوم من رجب فقتلهما ، فقالت قريش : قتلهما في الشهر الحرام ، فنزلت الآية .
(*) والقول بأن نزولها في قصة عبد الله بن جحش أكثر وأشهر ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه مع تسعة رهط ، وقيل ثمانية ، في جمادى الآخرة قبل بدر بشهرين، وقيل في رجب . 
(*) قال أبو عمر  في كتاب الدرر  : ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من طلب كُرْزِ بْنِ جَابِر ، أقام بالمدينة بقية   جمادى الآخرة ورجب ، وبعث في رجب :عبد الله بن جحش بن رئاب الأسدي ومعه ثمانية رجال من المهاجرين ، وهم أبو حذيفة بن عتبة، وعكاشة بن محصن، وعتبة بن غزوان، وسهيل بن بيضاء الفهري، وسعد بن أبي وقاص، وعامر بن ربيعة، وواقد بن عبد الله التميمي، وخالد بن بكير الليثي. وكتب لعبد الله بن جحش كتابا ، وأمره ألا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه فيمضي لما أمره به ولا يستكره أحدا من أصحابه ، وكان أميرهم ، ففعل عبد الله بن جحش ما أمره به ، فلما فتح الكتاب وقرأه وجد فيه : ( إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف فترصد بها قريشا ، وتعلم لنا من أخبارهم ) . فلما قرأ الكتاب قال : سمعا وطاعة ، ثم أخبر أصحابه بذلك ، وبأنه لا يستكره أحدا منهم ، وأنه ناهض لوجهه بمن أطاعه ، وأنه إن لم يطعه أحد مضى وحده ، فمن أحب الشهادة فلينهض ، ومن كره الموت فليرجع . فقالوا : كلنا نرغب فيما ترغب فيه ، وما منا أحد إلا وهو سامع مطيع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونهضوا معه ، فسلك على الحجاز ، وشرد لسعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان جمل كانا يَعْتَقِبَانِه فتخلّفا في طلبه ، ونفذ عبد الله بن جحش مع سائرهم لوجهه حتى نزل بنخلة ، فمرت بهم عير لقريش تحمل زبيبا وتجارة فيها عمرو بن الحضرمي وعثمان بن عبد الله بن المغيرة ، وأخوه نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزوميان ، والحَكَم بن كيسان مولى بني المغيرة ، فتشاور المسلمون وقالوا : نحن في آخر يوم من رجب الشهر الحرام ، فإن نحن قاتلناهم هتكنا حرمة الشهر الحرام : وإن تركناهم الليلة دخلوا الحرم ، ثم اتفقوا على لقائهم ، فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي فقتله ، وأسروا عثمان بن عبد الله والحَكَم بن كيسان ، وأفلت نوفل بن عبد الله ، ثم قدموا بالعير والأسيرين ، وقال لهم عبد الله بن جحش : اعزلوا مما غنمنا الخُمُس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ففعلوا ، فكان أول خُمُس في الإسلام ، ثم نزل القرآن : " وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ " فأقر الله ورسوله فعل عبد الله بن جحش ورضيه وسَنَّه للأمة إلى يوم القيامة ، وهي أول غنيمة غنمت في الإسلام، وأول أمير، وعمرو بن الحضرمي أول قتيل.  وأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل ابن الحضرمي في الشهر الحرام ، فسقط في أيدي القوم ، فأنزل الله عز وجل : " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ " إلى قوله : " هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " . وقَبِل رسول الله صلى الله عليه وسلم الفداء في الأسيرين ، فأما عثمان بن عبد الله فمات بمكة  كافرا ، وأما الحَكَم بن كيسان فأسلم وأقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استشهد ببئر معونة ، ورجع سعد وعتبة إلى المدينة سالمين . 
(*) وقيل : إن انطلاق سعد بن أبي وقاص وعتبة في طلب بعيرهما كان عن إذن من عبد الله بن جحش ، وإن عمرو بن الحضرمي وأصحابه لما رأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هابوهم ، فقال عبد الله بن جحش : إن القوم قد فزعوا منكم ، فاحلقوا رأس رجل منكم فليتعرض لهم ، فإذا رأوه محلوقا أمنوا وقالوا : قوم عمار لا بأس عليكم ، وتشاوروا في قتالهم ، الحديث . 
وتفاءلت اليهود وقالوا : واقد وقدت الحرب ، وعمرو عمرت الحرب ، والحضرمي حضرت الحرب . وبعث أهل مكة في فداء أسيريهم ، فقال : لا نفديهما حتى يقدم سعد وعتبة ، وإن لم يقدما قتلناهما بهما ، فلما قدما فاداهما ، فأما الحكم فأسلم وأقام بالمدينة حتى قتل يوم بئر معونة شهيدا ، وأما عثمان فرجع إلى مكة فمات بها كافرا ، وأما نوفل فضرب بطن فرسه يوم الأحزاب ليدخل الخندق على المسلمين فوقع في الخندق مع فرسه فتحطما جميعا فقتله الله تعالى ، وطلب المشركون جيفته بالثمن ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذوه فإنه خبيث الجيفة خبيث الدية فهذا سبب نزول قوله تعالى : " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ "
وذكر ابن إسحاق أن قتل عمرو بن الحضرمي كان في آخر يوم من رجب ، على ما تقدم . وذكر الطبري عن السدي وغيره أن ذلك كان في آخر يوم من جمادى الآخرة ، والأول أشهر ، على أن ابن عباس قد ورد عنه أن ذلك كان في أول ليلة من رجب ، والمسلمون يظنونها من جمادى .
(*) قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ "الآية . قال جندب بن عبد الله وعروة بن الزبير وغيرهما : لما قُتل واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي في الشهر الحرام توقف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أخذ خُمُسه الذي وفق في فرضه له عبد الله بن جحش وفي الأسيرين ، فعنَّف المسلمون عبد الله بن جحش وأصحابه حتى شق ذلك عليهم ، فتلافاهم الله عز وجل بهذه الآية في الشهر الحرام وفرج عنهم ، وأخبر أن لهم ثواب من هاجر وغزا ، فالإشارة إليهم في قوله : " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا " ثم هي باقية في كل من فعل ما ذكره الله عز وجل . وقيل : إن لم يكونوا أصابوا وِزْرا فليس لهم أجر ، فأنزل الله : " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا  "إلى آخر الآية .
** ورد في التفسير الكبير
قوله تعالى: " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ .. "
اختلفوا في أن هذا السائل أكان من المسلمين أو من الكافرين ؟ والقائلون بأنه من المسلمين فريقان :
(*) الفريق الأول : 
الذين قالوا : إنه تعالى لما كتب عليهم القتال وقد كان عند القوم للشهر الحرام والمسجد الحرام أعظم الحرمة في المنع من القتال لم يبعد عندهم أن يكون الأمر بالقتال مقيدا بأن يكون في غير هذا الزمان ، وفي غير هذا المكان ، فدعاهم ذلك إلى أن سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : أيحل لنا قتالهم في هذا الشهر وفي هذا الموضع ؟ فنزلت الآية ، فعلى هذا الوجه الظاهر أن هذا السؤال كان من المسلمين .
(*) الفريق الثاني : 
وهم أكثر المفسرين : رووا عن ابن عباس أنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن جحش الأسدي وهو ابن عمته قبل قتال بدر بشهرين ، وبعد سبعة عشر شهرا من مقدمه المدينة في ثمانية رهط ، وكتب له كتابا وعهدا ودفعه إليه ، وأمره أن يفتحه بعد منزلتين ، ويقرأه على أصحابه ، ويعمل بما فيه ، فإذا فيه : "أما بعد ، فسر على بركة الله تعالى بمن اتبعك حتى تنزل بطن نخل ، فترصد بها عير قريش لعلك أن تأتينا منه بخير "، فقال عبد الله : سمعا وطاعة لأمره ، فقال لأصحابه : من أحب منكم الشهادة فلينطلق معي فإني ماض لأمره ، ومن أحب التخلف فليتخلف ، فمضى حتى بلغ بطن نخل بين مكة والطائف ، فمر عليهم عمرو بن الحضرمي وثلاثة معه ، فلما رأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حلقوا رأس واحد منهم وأوهموا بذلك أنهم قوم عمار ، ثم أتى واقد بن عبد الله الحنظلي وهو أحد من كان مع عبد الله بن جحش ورمى عمرو بن الحضرمي فقتله ، وأسروا اثنين وساقوا العير بما فيه حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فضجت قريش وقالوا : قد استحل محمد الشهر الحرام ، شهر يأمن فيه الخائف فيسفك فيه الدماء ، والمسلمون أيضا قد استبعدوا ذلك ، فقال صلى الله عليه وسلم : إني ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام ، وقال عبد الله بن جحش : يا رسول الله ، إنا قتلنا ابن الحضرمي ، ثم أمسينا فنظرنا إلى هلال رجب فلا ندري أفي رجب أصبناه أم في جمادى . فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم العير والأسارى ، فنزلت هذه الآية ، فأخذ رسول الله عليه الصلاة والسلام الغنيمة
(*) قوله تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ "
أن عبد الله بن جحش قال : يا رسول الله ، هب أنه لا عقاب فيما فعلنا ، فهل نطمع منه أجرا وثوابا ؟ فنزلت هذه الآية ; لأن عبد الله كان مؤمنا ، وكان مهاجرا ، وكان بسبب هذه المقاتلة مجاهدا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق