** ورد عند الواحدي
قوله تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ .." الآيات
(*) عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيدالله بن عبد الله ابن عتبة، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال فيها أهل الافك ما قالوا، فبرَّأها الله تعالى منه.
(*) قال الزهري: وكلهم حدثني طائفة من حديثها وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض، وأثبت اقتصاصا ووعيت عن كل واحد الحديث الذي حدثني، وبعض حديثهم يصدق بعضا.
ذكروا أن عائشة رضى الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا ،أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج ﺑﻬا معه، قالت عائشة رضى الله عنها فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي، فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما نزلت آية الحجاب ، فأنا أحمل في هودجي ،وأنزل فيه مسيرنا، حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته وقفل ودَنَونا من المدينة ، أذن ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل ومشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرَّحل، فلمست صدري فإذا عقد من جزع ظفار قد انقطع، فرجعت فالتمست عقدي، فحبسني ابتغاؤه، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون، فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه
و قالت عائشة: وكانت النساء إذ ذاك خفافا لم يهبلن ولم يغشهن اللحم إنما يأكلهن العلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل وساروا ،ووجدت عقدي بعد ما استمر الجيش، فجئت منازلهم وليس ﺑﻬا داع ولا مجيب، فتيممت منزلي الذي كنت فيه وظننت أن القوم سيفقدوني فيرجعوا إليّ ،فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيناي فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي الذكواني قد عرّس من وراء الجيش ، فأدلج فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم ، فأتاني فعرفني حين رآني، وقد كان يراني قبل أن يضرب علي الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهي بجلبابي ، والله ما كلمني بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه ،حتى أناخ راحلته، فوطئ على يدها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة ،وهلك من هلك فيّ، وكان الذي تولى كبره منهم عبد الله بن أبي ابن سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمتها شهرا والناس يفيضون في قول أهل الافك، ولا أشعر بشئ من ذلك، ويريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول: "كيف تيكم"، فذلك يحزنني ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعد مانقهت وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع وهو متبرزنا، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الاول في التنزه، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن عبد المطلب بن عبد مناف وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق رضى الله عنه وابنها مسطح بن أثاثة ابن عباد بن عبد المطلب، فأقبلت أنا وابنة أبي رهم قِبَل بيتي حين فرغنا من شأننا، فعثرت أم مسطح في مرطها، فقالت: تعس مسطح، فقلت لها: بئسما قلت : أتسُبين رجلا قد شهد بدرا ؟ قالت: أي هنتاه ،أوَ لَم تسمعي ما قال ؟ ،قلت: وماذا قال: ؟ فأخبرتني بقول أهل الافك، فازددت مرضا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي ودخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "كيف تيكم ؟"، قلت :تأذن لي أن آتي أبوي ؟ قالت: وأنا أريد حينئذ أن أتيقن الخبر من قِبَلَهما ،فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبوي ،فقلت: يا أماه ما يتحدث الناس ؟ ،قالت: يا بنية هوِّني عليك، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل ولها ضرائر إلا أكثرن عليها، قالت: فقلت سبحان الله، أَوَقد تحدث الناس ﺑﻬذا ؟ ، قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم أصبحت أبكى،ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ ابن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، فأما أسامة ابن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود ،فقال: يا رسول الله هم أهلك وما نعلم إلا خيرا، وأما علي بن أبي طالب فقال: لم يضيق الله تعالى عليك والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، قالت: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال: يا بريرة هل رأيت شيئا يربيك من عائشة ؟ قالت بريرة: والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها أكثر من أﻧﻬا جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتى الداجن فتأكله، قالت: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول، فقال وهو على المنبر: يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي ، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا، ولقد ذكروا رَجُلًا ما علمت عليه إلا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلامعي، فقام سعد بن معاذ الانصاري فقال: يا رسول الله أنا أعذرك منه، إن كان من الاوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت: فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية، فقال لسعد بن معاذ: كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد بن الحضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنه، إنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان من الاوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر، فلم يزل يخفضهم حتى سكتوا وسكت، قالت: وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، قالت: فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكى استأذنت عليَّ امرأة من الانصار، فأذِنْت لها وجلست تبكى معي، قالت: فبينا نحن على ذلك إذ دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جلس، ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل، وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني شئ، قالت: فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال: "أما بعد يا عائشة فإنه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه"، قالت: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته ، قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة،فقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، قال والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت لأمي: أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: وأنا جارية حديثة السن لاأقرأ كثيرا من القرآن: والله لقد عرفت أنكم سمعتم هذا وقد استقر في نفوسكم فصدقتم به، ولئن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني منه بريئة لاتصدقوني، والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا ما قال أبو يوسف " فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ" ، قالت: ثم تحولت فاضطجعتُ على فراشي ، قالت: وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة، وأن الله مبرئي ببرأتي، ولكن والله ماكنت أظن أن ينزل في شأني وحي يُتلى، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله تعالى فيّ بأمر يُتلى، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا يُبرئني الله تعالى ﺑﻬا، قالت: فو الله مارام رسول الله صلى الله عليه وسلم منزله ولاخرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم، وأخذه ماكان يأخذه من البرحاء عند الوحي، حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت: فلما سرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،سرى عنه وهو يضحك، وكان أول كلمة تكلم ﺑﻬا أن قال:"أبشرى يا عائشة، أما والله لقد برأك الله"، فقالت لي أمي: قومي إليه، فقلت: والله لاأقوم إليه ولا أحمد إلا الله سبحانه وتعالى هو الذي برأني، قالت: فأنزل الله سبحانه وتعالى " إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ " العشرالآيات.
فلما أنزل الله تعالى هذه الآية في براءتي قال الصِّديق ، وكان ينفق على مسطح لقرابته وفقره: والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال، فأنزل الله تعالى " وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى" إلى قوله " أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ " فقال أبو بكر: والله إني أحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كانت عليه وقال: لا أنزعها منه أبدا...رواه البخاري ومسلم كلاهما عن أبي الربيع الزهراني.
** ورد عند القرطبي
قوله تعالى :" إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ..."
(*) سبب نزولها ما رواه الأئمة من حديث الإفك الطويل في قصة عائشة رضوان الله عليها ، وهو خبر صحيح مشهور
وعن موسى بن إسماعيل من حديث أبي وائل قال : حدثني مسروق بن الأجدع قال حدثتني أم رومان وهي أم عائشة قالت : بينا أنا قاعدة أنا وعائشة إذ ولجت امرأة من الأنصار فقالت : فعل الله بفلان وفعل بفلان فقالت أم رومان : وما ذاك ؟ قالت ابني فيمن حدّث الحديث قالت : وما ذاك ؟ قالت كذا وكذا. قالت عائشة : سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت نعم ، قالت : وأبو بكر ؟ قالت : نعم ، فخرت مغشيا عليها فما أفاقت إلّا وعليها حُمَّى بنَافِض فطرحت عليها ثيابها فغطيتها فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال : "ما شأن هذه ؟ " فقلت : يا رسول الله ، أخذتها الحُمَّى بنافض ، قال : "فلعل في حديث تُحُدِّثَ به " ،قالت :نعم ، فقعدت عائشة فقالت : والله ، لئن حلفت لا تصدقوني ولئن قلت لا تعذروني ،مثلي ومثلكم كيعقوب وبنيه "وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ" ، قالت : وانصرف ولم يقل شيئا فأنزل الله عذرها. قالت : بحمد الله لا بحمد أحد ولا بحمدك.
(*) لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة معه في غزوة بني المصطلق وهي غزوة المريسيع ، وقفل ودنا من المدينة آذن ليلة بالرحيل قامت حين آذنوا بالرحيل ، فمشت حتى جاوزت الجيش ، فلما فرغت من شأنها أقبلت إلى الرَّحل فلمست صدرها فإذا عقد من جزع ظفار قد انقطع ، فرجعت فالتمسته فحبسها ابتغاؤه ، فوجدته وانصرفت فلما لم تجد أَحَدا ، وكانت شابة قليلة اللحم ، فرفع الرجال هودجها ولم يشعروا بزوالها منه ؛ فلما لم تجد أحدا ،اضطجعت في مكانها رجاء أن تُفتَقَد فيُرجَع إليها ، فنامت في الموضع ولم يوقظها إلا قول صفوان بن المعطل : إنا لله وإنا إليه راجعون ؛ وذلك أنه كان تخلف وراء الجيش لحفظ الساقة. وقيل : إنها استيقظت لاسترجاعه ، ونزل عن ناقته وتنحى عنها حتى ركبت عائشة ، وأخذ يقودها حتى بلغ بها الجيش في نحر الظهيرة ؛ فوقع أهل الإفك في مقالتهم ، وكان الذي يجتمع إليه فيه ويستوشيه ويشعله عبد الله بن أُبَيّ بن سلول المنافق ، وهو الذي رأى صفوان آخذا بزمام ناقة عائشة فقال : والله ما نجت منه ولا نجا منها ، وقال : امرأة نبيِّكم باتت مع رجل. وكان من قالته :حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش. (هذا اختصار الحديث ، وهو بكماله وإتقانه في البخاري ومسلم ، وهو في مسلم أكمل).
** ورد في تفسير مقاتل
قوله تعالى :" إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ..."
(*) وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم انطلق غازيا وانطلق معه عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، ومع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ رفيق له، يقال له صفوان بن المعطل من بني سليم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سار ليلا مكث صفوان في مكانه حتى يصبح فإن سقط من المسلمين شيء من متاعهم حمله إلى العسكر فعرفه، فإذا جاء صاحبه دفعه إليه، وإن عائشة رضي الله عنها لما نودي بالرحيل ذات ليلة ركبت الرحل فدخلت هودجها، ثم ذكرت حُليًّا كان لها نسيته في المنزل فنزلت لتأخذ الحُلي ولا يشعر بها صاحب البعير فانبعث البعير فسار مع المعسكر فلما وجدت عائشة رضي الله عنها حُليها وكان جزعا ظفاريا لا ذهب فيه ولا فضة ولا جوهر فإذا البعير قد ذهب فجعلت تمشي على إثره وهي تبكي، وأصبح صفوان بن المعطل في المنزل ، ثم سار في أثر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فإذا هو بعائشة رضي الله عنها ، قد غطت وجهها تبكي ، فقال صفوان: من هذا؟ فقالت: أنا عائشة؟ فاسترجع ، ونزل عن بعيره وقال: ما شأنك يا أم المؤمنين ، فحدثته بأمر الحُلي فحملها على بعيره ، ونزل النبي صلى الله عليه وسلم ففقد عائشة رضي الله عنها ، فلم يجدها فلبثوا ما شاء الله ثم جاء صفوان وقد حملها على بعيره، فقذفها عبد الله بن أُبَيّ، وحسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف وحمنة بنت جحش أخت عبد الله بن جحش الأسدي .
قوله تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ .." الآيات
(*) عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيدالله بن عبد الله ابن عتبة، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال فيها أهل الافك ما قالوا، فبرَّأها الله تعالى منه.
(*) قال الزهري: وكلهم حدثني طائفة من حديثها وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض، وأثبت اقتصاصا ووعيت عن كل واحد الحديث الذي حدثني، وبعض حديثهم يصدق بعضا.
ذكروا أن عائشة رضى الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا ،أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج ﺑﻬا معه، قالت عائشة رضى الله عنها فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي، فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما نزلت آية الحجاب ، فأنا أحمل في هودجي ،وأنزل فيه مسيرنا، حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته وقفل ودَنَونا من المدينة ، أذن ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل ومشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرَّحل، فلمست صدري فإذا عقد من جزع ظفار قد انقطع، فرجعت فالتمست عقدي، فحبسني ابتغاؤه، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون، فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه
و قالت عائشة: وكانت النساء إذ ذاك خفافا لم يهبلن ولم يغشهن اللحم إنما يأكلهن العلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل وساروا ،ووجدت عقدي بعد ما استمر الجيش، فجئت منازلهم وليس ﺑﻬا داع ولا مجيب، فتيممت منزلي الذي كنت فيه وظننت أن القوم سيفقدوني فيرجعوا إليّ ،فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيناي فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي الذكواني قد عرّس من وراء الجيش ، فأدلج فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم ، فأتاني فعرفني حين رآني، وقد كان يراني قبل أن يضرب علي الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهي بجلبابي ، والله ما كلمني بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه ،حتى أناخ راحلته، فوطئ على يدها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة ،وهلك من هلك فيّ، وكان الذي تولى كبره منهم عبد الله بن أبي ابن سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمتها شهرا والناس يفيضون في قول أهل الافك، ولا أشعر بشئ من ذلك، ويريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول: "كيف تيكم"، فذلك يحزنني ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعد مانقهت وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع وهو متبرزنا، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الاول في التنزه، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن عبد المطلب بن عبد مناف وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق رضى الله عنه وابنها مسطح بن أثاثة ابن عباد بن عبد المطلب، فأقبلت أنا وابنة أبي رهم قِبَل بيتي حين فرغنا من شأننا، فعثرت أم مسطح في مرطها، فقالت: تعس مسطح، فقلت لها: بئسما قلت : أتسُبين رجلا قد شهد بدرا ؟ قالت: أي هنتاه ،أوَ لَم تسمعي ما قال ؟ ،قلت: وماذا قال: ؟ فأخبرتني بقول أهل الافك، فازددت مرضا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي ودخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "كيف تيكم ؟"، قلت :تأذن لي أن آتي أبوي ؟ قالت: وأنا أريد حينئذ أن أتيقن الخبر من قِبَلَهما ،فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبوي ،فقلت: يا أماه ما يتحدث الناس ؟ ،قالت: يا بنية هوِّني عليك، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل ولها ضرائر إلا أكثرن عليها، قالت: فقلت سبحان الله، أَوَقد تحدث الناس ﺑﻬذا ؟ ، قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم أصبحت أبكى،ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ ابن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، فأما أسامة ابن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود ،فقال: يا رسول الله هم أهلك وما نعلم إلا خيرا، وأما علي بن أبي طالب فقال: لم يضيق الله تعالى عليك والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، قالت: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال: يا بريرة هل رأيت شيئا يربيك من عائشة ؟ قالت بريرة: والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها أكثر من أﻧﻬا جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتى الداجن فتأكله، قالت: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول، فقال وهو على المنبر: يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي ، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا، ولقد ذكروا رَجُلًا ما علمت عليه إلا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلامعي، فقام سعد بن معاذ الانصاري فقال: يا رسول الله أنا أعذرك منه، إن كان من الاوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت: فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية، فقال لسعد بن معاذ: كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد بن الحضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنه، إنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان من الاوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر، فلم يزل يخفضهم حتى سكتوا وسكت، قالت: وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، قالت: فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكى استأذنت عليَّ امرأة من الانصار، فأذِنْت لها وجلست تبكى معي، قالت: فبينا نحن على ذلك إذ دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جلس، ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل، وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني شئ، قالت: فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال: "أما بعد يا عائشة فإنه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه"، قالت: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته ، قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة،فقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، قال والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت لأمي: أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: وأنا جارية حديثة السن لاأقرأ كثيرا من القرآن: والله لقد عرفت أنكم سمعتم هذا وقد استقر في نفوسكم فصدقتم به، ولئن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني منه بريئة لاتصدقوني، والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا ما قال أبو يوسف " فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ" ، قالت: ثم تحولت فاضطجعتُ على فراشي ، قالت: وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة، وأن الله مبرئي ببرأتي، ولكن والله ماكنت أظن أن ينزل في شأني وحي يُتلى، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله تعالى فيّ بأمر يُتلى، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا يُبرئني الله تعالى ﺑﻬا، قالت: فو الله مارام رسول الله صلى الله عليه وسلم منزله ولاخرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم، وأخذه ماكان يأخذه من البرحاء عند الوحي، حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت: فلما سرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،سرى عنه وهو يضحك، وكان أول كلمة تكلم ﺑﻬا أن قال:"أبشرى يا عائشة، أما والله لقد برأك الله"، فقالت لي أمي: قومي إليه، فقلت: والله لاأقوم إليه ولا أحمد إلا الله سبحانه وتعالى هو الذي برأني، قالت: فأنزل الله سبحانه وتعالى " إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ " العشرالآيات.
فلما أنزل الله تعالى هذه الآية في براءتي قال الصِّديق ، وكان ينفق على مسطح لقرابته وفقره: والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال، فأنزل الله تعالى " وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى" إلى قوله " أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ " فقال أبو بكر: والله إني أحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كانت عليه وقال: لا أنزعها منه أبدا...رواه البخاري ومسلم كلاهما عن أبي الربيع الزهراني.
** ورد عند القرطبي
قوله تعالى :" إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ..."
(*) سبب نزولها ما رواه الأئمة من حديث الإفك الطويل في قصة عائشة رضوان الله عليها ، وهو خبر صحيح مشهور
وعن موسى بن إسماعيل من حديث أبي وائل قال : حدثني مسروق بن الأجدع قال حدثتني أم رومان وهي أم عائشة قالت : بينا أنا قاعدة أنا وعائشة إذ ولجت امرأة من الأنصار فقالت : فعل الله بفلان وفعل بفلان فقالت أم رومان : وما ذاك ؟ قالت ابني فيمن حدّث الحديث قالت : وما ذاك ؟ قالت كذا وكذا. قالت عائشة : سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت نعم ، قالت : وأبو بكر ؟ قالت : نعم ، فخرت مغشيا عليها فما أفاقت إلّا وعليها حُمَّى بنَافِض فطرحت عليها ثيابها فغطيتها فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال : "ما شأن هذه ؟ " فقلت : يا رسول الله ، أخذتها الحُمَّى بنافض ، قال : "فلعل في حديث تُحُدِّثَ به " ،قالت :نعم ، فقعدت عائشة فقالت : والله ، لئن حلفت لا تصدقوني ولئن قلت لا تعذروني ،مثلي ومثلكم كيعقوب وبنيه "وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ" ، قالت : وانصرف ولم يقل شيئا فأنزل الله عذرها. قالت : بحمد الله لا بحمد أحد ولا بحمدك.
(*) لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة معه في غزوة بني المصطلق وهي غزوة المريسيع ، وقفل ودنا من المدينة آذن ليلة بالرحيل قامت حين آذنوا بالرحيل ، فمشت حتى جاوزت الجيش ، فلما فرغت من شأنها أقبلت إلى الرَّحل فلمست صدرها فإذا عقد من جزع ظفار قد انقطع ، فرجعت فالتمسته فحبسها ابتغاؤه ، فوجدته وانصرفت فلما لم تجد أَحَدا ، وكانت شابة قليلة اللحم ، فرفع الرجال هودجها ولم يشعروا بزوالها منه ؛ فلما لم تجد أحدا ،اضطجعت في مكانها رجاء أن تُفتَقَد فيُرجَع إليها ، فنامت في الموضع ولم يوقظها إلا قول صفوان بن المعطل : إنا لله وإنا إليه راجعون ؛ وذلك أنه كان تخلف وراء الجيش لحفظ الساقة. وقيل : إنها استيقظت لاسترجاعه ، ونزل عن ناقته وتنحى عنها حتى ركبت عائشة ، وأخذ يقودها حتى بلغ بها الجيش في نحر الظهيرة ؛ فوقع أهل الإفك في مقالتهم ، وكان الذي يجتمع إليه فيه ويستوشيه ويشعله عبد الله بن أُبَيّ بن سلول المنافق ، وهو الذي رأى صفوان آخذا بزمام ناقة عائشة فقال : والله ما نجت منه ولا نجا منها ، وقال : امرأة نبيِّكم باتت مع رجل. وكان من قالته :حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش. (هذا اختصار الحديث ، وهو بكماله وإتقانه في البخاري ومسلم ، وهو في مسلم أكمل).
** ورد في تفسير مقاتل
قوله تعالى :" إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ..."
(*) وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم انطلق غازيا وانطلق معه عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، ومع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ رفيق له، يقال له صفوان بن المعطل من بني سليم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سار ليلا مكث صفوان في مكانه حتى يصبح فإن سقط من المسلمين شيء من متاعهم حمله إلى العسكر فعرفه، فإذا جاء صاحبه دفعه إليه، وإن عائشة رضي الله عنها لما نودي بالرحيل ذات ليلة ركبت الرحل فدخلت هودجها، ثم ذكرت حُليًّا كان لها نسيته في المنزل فنزلت لتأخذ الحُلي ولا يشعر بها صاحب البعير فانبعث البعير فسار مع المعسكر فلما وجدت عائشة رضي الله عنها حُليها وكان جزعا ظفاريا لا ذهب فيه ولا فضة ولا جوهر فإذا البعير قد ذهب فجعلت تمشي على إثره وهي تبكي، وأصبح صفوان بن المعطل في المنزل ، ثم سار في أثر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فإذا هو بعائشة رضي الله عنها ، قد غطت وجهها تبكي ، فقال صفوان: من هذا؟ فقالت: أنا عائشة؟ فاسترجع ، ونزل عن بعيره وقال: ما شأنك يا أم المؤمنين ، فحدثته بأمر الحُلي فحملها على بعيره ، ونزل النبي صلى الله عليه وسلم ففقد عائشة رضي الله عنها ، فلم يجدها فلبثوا ما شاء الله ثم جاء صفوان وقد حملها على بعيره، فقذفها عبد الله بن أُبَيّ، وحسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف وحمنة بنت جحش أخت عبد الله بن جحش الأسدي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق