** ورد عند الواحدي
قوله تعالى : " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ .. " الآية
(*) عن صفوان بن عمرو ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كان أبو بردة الأسلمي كاهناً يقضي بين اليهود فيما يتنافرون فيه ، فتنافر إليه أُنَاس من أَسْلم ، فأنزل الله تعالى :" أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ " إلى قوله : " وَتَوْفِيقاً " .
(*) عن رويم قال : حدثنا سعيد عن قتادة قال : ذكر لنا أن هذه الآية أنزلت في رجل من الأنصار يقال له : قيس ، وفي رجل من اليهود ، في مدَارَأة كانت بينهما في حق تَدَارَآ فيه ، فتَنَافرا إلى كاهن بالمدينة ليحكم بينهما ، وتركا نبي الله صلى الله عليه وسلم فعاب الله تعالى ذلك عليهما ، وكان اليهودي يدعوه إلى نَبيّ الله ، وقد علم أنه لن يجور عليه ، وجعل الأنصاري يأبَى عليه ، وهو يزعم أنه مُسلم ، ويدعوه إلى الكاهن . فأنزل الله تعالى ما تسمعون ، وعاب على الذي يزعم أنه مُسلم ، وعلى اليهودي الذي هو من أهل الكتاب ، فقال : " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ " إلى قوله : " يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً " .
(*) عن يزيد بن زريع ، عن داود ، عن الشّعبي قال : كان بين رَجُل من المنافقين ورَجُل من اليهود خصومة ، فدَعَا اليهوديُّ المُنافقَ إلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم لأنه علم أنه لا يقبل الرشوة ، ودَعَا المنافق اليهودي إلى حكامهم ، لأنه علم أنهم يأخذون الرّشوة في أحكامهم . فلما اختلفا اجتَمَعا على أن يُحَكِّمَا كاهناً في جهينة ، فأنزل الله تعالى في ذلك : " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ " يعني المنافق " وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ " يعني اليهودي : " يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ " إلى قوله : " وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً " .
(*) وقال الكلبي عن أبي صالح ، عن ابن عباس : نزلت في رَجُل من المنافقين كان بينه وبين يهودي خصومة ، فقال اليهودي : انطلق بنا إلى محمد ، وقال المنافق : بل نأتي كعب بن الأشرف (وهو الذي سماه الله تعالى الطاغوت ) فأَبَى اليهودي إلا أن يخاصمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأى المنافق ذلك أتى معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختصما إليه ، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهودي . فلما خرجا من عنده لزمه المنافق وقال : ننطلق إلى عُمَر بن الخطاب فأقبلا إلى عُمَر ، فقال اليهودي : اختصمنا أنا وهذا إلى محمد فقضى لِي عَلَيْه ، فلم يَرض بقضائه ، وزعم أنه مخاصم إليك ، وتعلَّق بي فجئت معه ، فقال عُمر للمنافق : أكذلك ؟ قال : نعم ، فقال لهما : رُويداً حتى أخرج إليكما ، فدخل عمر البَيْت وأخذ السيف فاشتمل عليه ، ثم خرج إليهما وضرب به المنافق حتى برد وقال : هكذا أقضي لمن لمْ يَرْض بقضاء الله وقضاء رسوله ، وهرب اليهودي ، ونزلت هذه الآية .
(*) وقال السدي : كان ناس من اليهود أسلموا ونافق بعضهم ، وكانت قريظة والنضير في الجاهلية إذا قتل رَجُل من بني قريظة رَجُلاً من بني النضير قُتَل به وأُخَذ دِيَّته مائة وسق من تمر ، وإذا قُتِل رَجُل من بني النضير رَجُلاً من قريظة لم يُقْتَل به ، وأُعطِيَ دِيَّته ستين وسقا من تمر ، وكانت النضير حُلفاء الأوس . وكانوا أكبر وأشرف من قريظة ، وهم حلفاء الخزرج ، فقتل رَجُل من النضير رَجُلاً من قريظة ، واختصموا في ذلك ، فقالت بنو النضير : إنا وأنتم كنا اصطلحنا في الجاهلية على أن نقتل منكم ولا تقتلوا منا ، وعلى أن دِيَّتكم ستون وسقاً ودِيَّتنا مائة وسق ، فنحن نعطيكم ذلك ، فقالت : الخزرج : هذا شيء كنتم فعلتموه في الجاهلية ، لأنكم كثرتم وقُلِّلنا فقهرتمونا ، ونحن وأنتم اليوم إخوة وديننا ودينكم واحد ، وليس لكم علينا فضل ، فقال المنافقون : انطلقوا إلى أبي بردة الكاهن الأسلمي ، وقال المسلمون : لا بل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأَبَى المنافقون وانطلقوا إلى أبي بردة ليحكم بينهم ، فقال : أعظموا اللُّقمة ( يعني الرشوة ) فقالوا : لك عشرة أوسق ، قال : لا بل مائة وسق دِيَّتي ، فإني أخاف إن نفرت النضيري قتلتني قريظة ، وإن نفرت القريظي قتلتني النضير ، فأَبَوْا أن يعطوه فوق عشر أوسق ، وأبَى أن يحكم بينهم . فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم كاهن أسلم إلى الإسلام ، فأبَى فانصرف ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لابْنَيْه : أدركا أَبَاكما فإنه إن جاوز عقبة كذا لم يسلم أبدا ، فأدركاه فلم يزالا به حتى انصرف وأسلم ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم مناديا فنادى : ألا إن كاهن أسلم قد أسلم .
** ورد عند ابن الجوزي
قوله تعالى :" أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ .."
في سبب نزولها: أربعة أقوال .
(*) أحدها: أنها نزلت في رجل من المنافقين كان بينه وبين يهودي خصومة ، فقال اليهودي: انطلق بنا إلى محمد ، وقال المنافق: بل إلى كعب بن الأشرف ، فأبَى اليهودي ، فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم ، فقضى لليهودي ، فلما خرجا ، قال المنافق: ننطلق إلى عمر بن الخطاب ، فأقبلا إليه ، فقصا عليه القصة ، فقال: رويدا حتى أخرج إليكما ، فدخل البيت ، فاشتمل على السيف ، ثم خرج ، فضرب به المنافق حتى برد ، وقال: هكذا أقضي بين من لم يرض بقضاء الله ورسوله ، فنزلت هذه الآية . رواه أبو صالح ، عن ابن عباس .
(*) والثاني: أن أبا بردة الأسلمي كان كاهنا يقضي بين اليهود ، فتنافر إليه ناس من المسلمين ، فنزلت هذه الآي ، رواه عكرمة ، عن ابن عباس .
(*) والثالث: أن يهوديا ومنافقا كانت بينهما خصومة ، فدعا اليهودي المنافق إلى النبي ، لأنه لا يأخذ الرشوة ، ودعا المنافق إلى حكامهم ، لأنهم يأخذون الرشوة ، فلما اختلفا ، اجتمعا أن يُحَكِّما كاهنا ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول الشعبي .
(*) والرابع: أن رجلا من بني النضير قتل رجلا من بني قريظة ، فاختصموا ، فقال المنافقون منهم: انطلقوا إلى أبي بردة الكاهن ، فقال المسلمون من الفريقين: بل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأبَى المنافقون ، فانطلقوا إلى الكاهن ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول السدي .
** ورد عند القرطبي
قوله تعالى :" أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً ، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً ، فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً "
(*) روى يزيد بن زريع عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال : كان بين رَجُل من المنافقين ورَجُل من اليهود خصومة ، فدعا اليهودي المنافق إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه علم أنه لا يقبل الرشوة. ودعا المنافق اليهودي إلى حُكَّامهم ؛ لأنه علم أنهم يأخذون الرشوة في أحكامهم ؛ فلما اجتمعا على أن يحَكِّمَا كاهناً في جهينة ؛ فأنزل الله تعالى في ذلك : "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ" يعني المنافق. "وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ" يعني اليهودي. "يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ" إلى قوله : "وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً" ، وقال الضحاك : دعا اليهودي المنافق إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم ، ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف وهو "الطَّاغُوتِ"
(*) عن ابن عباس قال : كان بين رَجُل من المنافقين يقال له بِشر وبين يهودي خصومة ؛ فقال اليهودي : انطلق بنا إلى محمد ، وقال المنافق : بل إلى كعب بن الأشرف وهو الذي سماه الله "الطَّاغُوتِ" أي ذو الطغيان فأَبَى اليهودي أن يخاصمه إلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فلما رأى ذلك المنافق أتى معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى لليهودي.
فلما خرجا قال المنافق : لا أرضى ، انطلق بنا إلى أبي بكر ؛ فحكم لليهودي فلم يرض (ذكره الزّجّاج) وقال : انطلق بنا إلى عمر فأقبلا على عُمَر فقال اليهودي : إنا صرنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إلى أبي بكر فلم يرض ؛ فقال عمر للمنافق : أكذلك هو ؟ قال : نعم. قال : رويدكما حتى أخرج إليكما. فدخل وأخذ السيف ثم ضرب به المنافق حتى برد ، وقال : هكذا أقضي على من لم يرض بقضاء الله وقضاء رسوله ؛ وهرب اليهودي ، ونزلت الآية
وفي ذلك نزلت الآيات كلها إلى قوله : "وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً"
(*) عن صفوان بن عمرو ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كان أبو بردة الأسلمي كاهناً يقضي بين اليهود فيما يتنافرون فيه ، فتنافر إليه أُنَاس من أَسْلم ، فأنزل الله تعالى :" أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ " إلى قوله : " وَتَوْفِيقاً " .
(*) عن رويم قال : حدثنا سعيد عن قتادة قال : ذكر لنا أن هذه الآية أنزلت في رجل من الأنصار يقال له : قيس ، وفي رجل من اليهود ، في مدَارَأة كانت بينهما في حق تَدَارَآ فيه ، فتَنَافرا إلى كاهن بالمدينة ليحكم بينهما ، وتركا نبي الله صلى الله عليه وسلم فعاب الله تعالى ذلك عليهما ، وكان اليهودي يدعوه إلى نَبيّ الله ، وقد علم أنه لن يجور عليه ، وجعل الأنصاري يأبَى عليه ، وهو يزعم أنه مُسلم ، ويدعوه إلى الكاهن . فأنزل الله تعالى ما تسمعون ، وعاب على الذي يزعم أنه مُسلم ، وعلى اليهودي الذي هو من أهل الكتاب ، فقال : " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ " إلى قوله : " يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً " .
(*) عن يزيد بن زريع ، عن داود ، عن الشّعبي قال : كان بين رَجُل من المنافقين ورَجُل من اليهود خصومة ، فدَعَا اليهوديُّ المُنافقَ إلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم لأنه علم أنه لا يقبل الرشوة ، ودَعَا المنافق اليهودي إلى حكامهم ، لأنه علم أنهم يأخذون الرّشوة في أحكامهم . فلما اختلفا اجتَمَعا على أن يُحَكِّمَا كاهناً في جهينة ، فأنزل الله تعالى في ذلك : " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ " يعني المنافق " وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ " يعني اليهودي : " يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ " إلى قوله : " وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً " .
(*) وقال الكلبي عن أبي صالح ، عن ابن عباس : نزلت في رَجُل من المنافقين كان بينه وبين يهودي خصومة ، فقال اليهودي : انطلق بنا إلى محمد ، وقال المنافق : بل نأتي كعب بن الأشرف (وهو الذي سماه الله تعالى الطاغوت ) فأَبَى اليهودي إلا أن يخاصمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأى المنافق ذلك أتى معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختصما إليه ، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهودي . فلما خرجا من عنده لزمه المنافق وقال : ننطلق إلى عُمَر بن الخطاب فأقبلا إلى عُمَر ، فقال اليهودي : اختصمنا أنا وهذا إلى محمد فقضى لِي عَلَيْه ، فلم يَرض بقضائه ، وزعم أنه مخاصم إليك ، وتعلَّق بي فجئت معه ، فقال عُمر للمنافق : أكذلك ؟ قال : نعم ، فقال لهما : رُويداً حتى أخرج إليكما ، فدخل عمر البَيْت وأخذ السيف فاشتمل عليه ، ثم خرج إليهما وضرب به المنافق حتى برد وقال : هكذا أقضي لمن لمْ يَرْض بقضاء الله وقضاء رسوله ، وهرب اليهودي ، ونزلت هذه الآية .
(*) وقال السدي : كان ناس من اليهود أسلموا ونافق بعضهم ، وكانت قريظة والنضير في الجاهلية إذا قتل رَجُل من بني قريظة رَجُلاً من بني النضير قُتَل به وأُخَذ دِيَّته مائة وسق من تمر ، وإذا قُتِل رَجُل من بني النضير رَجُلاً من قريظة لم يُقْتَل به ، وأُعطِيَ دِيَّته ستين وسقا من تمر ، وكانت النضير حُلفاء الأوس . وكانوا أكبر وأشرف من قريظة ، وهم حلفاء الخزرج ، فقتل رَجُل من النضير رَجُلاً من قريظة ، واختصموا في ذلك ، فقالت بنو النضير : إنا وأنتم كنا اصطلحنا في الجاهلية على أن نقتل منكم ولا تقتلوا منا ، وعلى أن دِيَّتكم ستون وسقاً ودِيَّتنا مائة وسق ، فنحن نعطيكم ذلك ، فقالت : الخزرج : هذا شيء كنتم فعلتموه في الجاهلية ، لأنكم كثرتم وقُلِّلنا فقهرتمونا ، ونحن وأنتم اليوم إخوة وديننا ودينكم واحد ، وليس لكم علينا فضل ، فقال المنافقون : انطلقوا إلى أبي بردة الكاهن الأسلمي ، وقال المسلمون : لا بل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأَبَى المنافقون وانطلقوا إلى أبي بردة ليحكم بينهم ، فقال : أعظموا اللُّقمة ( يعني الرشوة ) فقالوا : لك عشرة أوسق ، قال : لا بل مائة وسق دِيَّتي ، فإني أخاف إن نفرت النضيري قتلتني قريظة ، وإن نفرت القريظي قتلتني النضير ، فأَبَوْا أن يعطوه فوق عشر أوسق ، وأبَى أن يحكم بينهم . فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم كاهن أسلم إلى الإسلام ، فأبَى فانصرف ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لابْنَيْه : أدركا أَبَاكما فإنه إن جاوز عقبة كذا لم يسلم أبدا ، فأدركاه فلم يزالا به حتى انصرف وأسلم ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم مناديا فنادى : ألا إن كاهن أسلم قد أسلم .
** ورد عند ابن الجوزي
قوله تعالى :" أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ .."
في سبب نزولها: أربعة أقوال .
(*) أحدها: أنها نزلت في رجل من المنافقين كان بينه وبين يهودي خصومة ، فقال اليهودي: انطلق بنا إلى محمد ، وقال المنافق: بل إلى كعب بن الأشرف ، فأبَى اليهودي ، فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم ، فقضى لليهودي ، فلما خرجا ، قال المنافق: ننطلق إلى عمر بن الخطاب ، فأقبلا إليه ، فقصا عليه القصة ، فقال: رويدا حتى أخرج إليكما ، فدخل البيت ، فاشتمل على السيف ، ثم خرج ، فضرب به المنافق حتى برد ، وقال: هكذا أقضي بين من لم يرض بقضاء الله ورسوله ، فنزلت هذه الآية . رواه أبو صالح ، عن ابن عباس .
(*) والثاني: أن أبا بردة الأسلمي كان كاهنا يقضي بين اليهود ، فتنافر إليه ناس من المسلمين ، فنزلت هذه الآي ، رواه عكرمة ، عن ابن عباس .
(*) والثالث: أن يهوديا ومنافقا كانت بينهما خصومة ، فدعا اليهودي المنافق إلى النبي ، لأنه لا يأخذ الرشوة ، ودعا المنافق إلى حكامهم ، لأنهم يأخذون الرشوة ، فلما اختلفا ، اجتمعا أن يُحَكِّما كاهنا ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول الشعبي .
(*) والرابع: أن رجلا من بني النضير قتل رجلا من بني قريظة ، فاختصموا ، فقال المنافقون منهم: انطلقوا إلى أبي بردة الكاهن ، فقال المسلمون من الفريقين: بل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأبَى المنافقون ، فانطلقوا إلى الكاهن ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول السدي .
** ورد عند القرطبي
قوله تعالى :" أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً ، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً ، فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً "
(*) روى يزيد بن زريع عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال : كان بين رَجُل من المنافقين ورَجُل من اليهود خصومة ، فدعا اليهودي المنافق إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه علم أنه لا يقبل الرشوة. ودعا المنافق اليهودي إلى حُكَّامهم ؛ لأنه علم أنهم يأخذون الرشوة في أحكامهم ؛ فلما اجتمعا على أن يحَكِّمَا كاهناً في جهينة ؛ فأنزل الله تعالى في ذلك : "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ" يعني المنافق. "وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ" يعني اليهودي. "يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ" إلى قوله : "وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً" ، وقال الضحاك : دعا اليهودي المنافق إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم ، ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف وهو "الطَّاغُوتِ"
(*) عن ابن عباس قال : كان بين رَجُل من المنافقين يقال له بِشر وبين يهودي خصومة ؛ فقال اليهودي : انطلق بنا إلى محمد ، وقال المنافق : بل إلى كعب بن الأشرف وهو الذي سماه الله "الطَّاغُوتِ" أي ذو الطغيان فأَبَى اليهودي أن يخاصمه إلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فلما رأى ذلك المنافق أتى معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى لليهودي.
فلما خرجا قال المنافق : لا أرضى ، انطلق بنا إلى أبي بكر ؛ فحكم لليهودي فلم يرض (ذكره الزّجّاج) وقال : انطلق بنا إلى عمر فأقبلا على عُمَر فقال اليهودي : إنا صرنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إلى أبي بكر فلم يرض ؛ فقال عمر للمنافق : أكذلك هو ؟ قال : نعم. قال : رويدكما حتى أخرج إليكما. فدخل وأخذ السيف ثم ضرب به المنافق حتى برد ، وقال : هكذا أقضي على من لم يرض بقضاء الله وقضاء رسوله ؛ وهرب اليهودي ، ونزلت الآية
وفي ذلك نزلت الآيات كلها إلى قوله : "وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق