** ورد عند البغوي
قوله تعالى:" وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ "
(*) قال ابن عباس وابن الزبير ومحمد بن إسحاق والسدي أقبل أبو سفيان من الشام في عير لقريش في أربعين راكبا من كفار قريش فيهم : عمرو بن العاص ، ومخرمة بن نوفل الزهري ، وفيها تجارة كثيرة ، وهي اللطيمة حتى إذا كانوا قريبا من بدْر ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فندب أصحابه إليه وأخبرهم بكثرة المال وقلة العدد ، وقال : هذه عير قريش فيها أموالكم فاخرجوا إليها لعل الله تعالى أن ينفلكموها ، فانتدب الناس فخف بعضهم وثقل بعضهم ، وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حربا ، فلما سمع أبو سفيان بمسير النبي صلى الله عليه وسلم استأجر ضمضم بن عمرو الغفاري ، فبعثه إلى مكة ، وأمره أن يأتي قريشا فيستنفرهم ويخبرهم أن محمدا قد عرض لعيرهم في أصحابه ، فخرج ضمضم سريعا إلى مكة .
وقد رأت عاتكة بنت عبد المطلب قبل قدوم ضمضم مكة بثلاث ليال رؤيا أفزعتها فبعثت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب فقالت له : يا أخي والله لقد رأيت الليلة رؤيا أفزعتني وخشيت أن يدخل على قومك منها شر ومصيبة ، فاكتم علي ما أُحدِّثك . قال لها : وما رأيت ؟ ، قالت : رأيت راكبا أقبل على بعير له حتى وقف بالأبطح ، ثم صرخ بأعلى صوته ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث ، فأرى الناس قد اجتمعوا إليه ، ثم دخل المسجد والناس يتبعونه فبينما هم حوله مثل به بعيره على ظهر الكعبة ثم صرخ بمثلها بأعلى صوته ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث ، ثم مثل به بعيره على رأس أبي قبيس ، فصرخ بمثلها ، ثم أخذ صخرة فأرسلها فأقبلت تهوي حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضت فما بقي بيت من بيوت مكة ولا دار من دورها إلا دخلتها منها فلقة .
فقال العباس : والله إن هذه لرؤيا رأيت ! فاكتميها ولا تذكريها لأحد ، ثم خرج العباس فلقي الوليد بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، وكان له صديقا فذكرها له واستكتمه إياها ، فذكرها الوليد لأبيه عتبة ففشا الحديث حتى تحدثت به قريش .
قال العباس : فغدوت أطوف بالبيت وأبو جهل بن هشام في رهط من قريش قعود يتحدثون برؤيا عاتكة ، فلما رآني أبو جهل قال : يا أبا الفضل إذا فرغت من طوافك فأقبل إلينا ، قال : فلما فرغت أقبلت حتى جلست معهم ، فقال لي أبو جهل : يا بني عبد المطلب متى حدثت هذه النبية فيكم ؟ ، قلت : وما ذاك ؟ ، قال : الرؤيا التي رأت عاتكة
قلت : وما رأت ؟ ، قال : يا بني عبد المطلب أما رضيتم أن تتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم ؟ ، قد زعمت عاتكة في رؤياها أنه قال انفروا في ثلاث فسنتربص بكم هذه الثلاث ، فإن يك ما قالت حقا فسيكون ، وإن تمض الثلاث ، ولم يكن من ذلك شيء ، نكتب عليكم كتابا أنكم أكذب أهل بيت في العرب ، فقال العباس : والله ما كان مني إليه كبير إلا أني جحدت ذلك وأنكرت أن تكون رأت شيئا ، ثم تفرقنا فلما أمسيت لم تبق امرأة من بني عبد المطلب إلا أتتني فقالت : أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم ثم قد تناول النساء وأنت تسمع ، ثم لم تكن عندك غيرة لشيء مما سمعت ، قال : قلت والله قد فعلت ما كان مني إليه من كثير ، وأيم الله لأتعرضن له فإن عاد لأكفينكه ، قال : فغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة وأنا حديد مغضب أرى أن قد فاتني منه أمر أحب أن أدركه منه ، قال : فدخلت المسجد فرأيته ، فوالله إني لأمشي نحوه أتعرضه ليعود لبعض ما قال فأقع به ، وكان رجلا خفيفا ، حديد الوجه ، حديد اللسان ، حديد النظر ، إذ خرج نحو باب المسجد يشتد ، قال : قلت في نفسي : ما له لعنه الله ؟ أكل هذا فرقا مني أن أشاتمه ؟ ، قال : فإذا هو قد سمع ما لم أسمع ، صوت ضمضم بن عمرو ، وهو يصرخ ببطن الوادي واقفا على بعيره ، وقد جدع بعيره وحول رحله وشق قميصه وهو يقول : يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه ، لا أرى أن تدركوها ، الغوث الغوث . قال : فشغلني عنه وشغله عني ما جاء من الأمر ، فتجهز الناس سراعا فلم يتخلف من أشراف قريش أحد إلا أن أبا لهب قد تخلف وبعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة .
فلما اجتمعت قريش للمسير ذكرت الذي بينها وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة بن الحارث ، فقالوا : نخشى أن يأتونا من خلفنا فكاد ذلك أن يثنيهم ، فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم وكان من أشراف بني بكر ، فقال : أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه .
فخرجوا سراعا ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه ، في ليال مضت من شهر رمضان ، حتى إذا بلغ واديا يقال له ذفران ، فأتاه الخبر عن مسير قريش ليمنعوا عيرهم ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالروحاء أخذ عينا للقوم فأخبره بهم .
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا عينا له من جهينة حليفا للأنصار يدعى عبد الله بن أريقط فأتاه بخبر القوم وسبقت العير رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل جبريل وقال : إن الله وعدكم إحدى الطائفتين إما العير وإما قريشا ، وكانت العير أحب إليهم ، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في طلب العير وحرب النفير ، فقام أبو بكر فقال فأحسن ، ثم قام عمر فقال فأحسن ، ثم قام المقداد بن عمرو فقال : يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك فوالله ما نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى : فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ، ولكن نقول : اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد يعني مدينة الحبشة لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له بخير.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أشيروا علي أيها الناس " وإنما يريد الأنصار ، وذلك أنهم عدد الناس وأنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا : يا رسول الله إنا براء من ذمامك حتى تصل إلى دارنا ، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمامنا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوف أن لا تكون الأنصار ترى عليها نصرته إلا على من دهمه بالمدينة من عدوه ، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم ، فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له سعد بن معاذ : والله لكأنك تريدنا يا رسول الله ، قال :" أجل " ، قال : قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئتنا به هو الحق أعطيناك على ذلك عهودا ومواثيق على السمع والطاعة ، فامض يا رسول الله لما أردت فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا إنا لصبر عند الحرب صدق في اللقاء ولعل الله تعالى يريك منا ما تقر به عينك ، فسر بنا على بركة الله ، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد ونشطه ذلك ، ثم قال : " سيروا على بركة الله وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين ، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم " .
** ورد عند ابن الجوزي
قوله تعالى:" وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ "
(*) قال أهل التفسير: أقبل أبو سفيان من الشام في عير لقريش ، حتى إذا دنا من بدر ، نزل جبريل فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، فخرج في جماعة من أصحابه يريدهم ، فبلغهم ذلك فبعثوا عمرو بن ضمضم الغفاري إلى مكة مستغيثا ، فخرجت قريش للمنع عنها ، ولحق أبو سفيان بساحل البحر ، ففات رسول الله ، ونزل جبريل بهذه الآية:" وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ " (والمعنى: اذكروا إذ يعدكم الله إحدى الطائفتين . والطائفتان: أبو سفيان وما معه من المال ، وأبو جهل ومن معه من قريش)
فلما سبق أبو سفيان بما معه ، كتب إلى قريش: إن كنتم خرجتم لتحرزوا: ركائبكم ، فقد أحرزتها لكم . فقال أبو جهل: والله لا نرجع . وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد القوم ، فكره أصحابه ذلك وودوا أن لو نالوا الطائفة التي فيها الغنيمة دون القتال; فذلك قوله:" وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ " أي: ذات السلاح
** ورد عند الطبري
قوله تعالى:" وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ "
(*) عن عبد الصمد بن عبد الوارث قال ، حدثنا أبان العطار قال ، حدثنا هشام بن عروة ، عن عروة : أن أبا سفيان أقبل ومن معه من ركبان قريش مقبلين من الشأم ، فسلكوا طريق الساحل ، فلما سمع بهم النبي صلى الله عليه وسلم ، ندب أصحابه وحدَّثهم بما معهم من الأموال ، وبقِلَّة عددهم ، فخرجوا لا يريدون إلا أبا سفيان والركب معه ، لا يرونها إلا غنيمة لهم ، لا يظنون أن يكون كبيرُ قتالٍ إذا رأوهم ، وهي التي أنزل الله فيها " وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ " .
(*) عن معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ " ، قال : أقبلت عير أهل مكة يريد : من الشأم فبلغ أهل المدينة ذلك ، فخرجوا ومعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدون العير . فبلغ ذلك أهل مكة ، فسارعوا السير إليها ، لا يغلب عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فسبقت العير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان الله وعدهم إحدى الطائفتين ، فكانوا أن يلقوا العير أحب إليهم ، وأيسر شوكة ، وأحضر مغنما ، فلما سبقت العير وفاتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين يريد القوم ، فكَرِه القوم مسيرهم لشوكة في القوم .
(*) عن محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ " ، قال : أرادوا العير ، قال : ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة في شهر ربيع الأول ، فأغار كرز بن جابر الفهري يريد سرح المدينة حتى بلغ الصفراء ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فركب في أثره ، فسبقه كرز بن جابر . فرجع النبي صلى الله عليه وسلم ، فأقام سنته . ثم إن أبا سفيان أقبل من الشأم في عير لقريش ، حتى إذا كان قريبا من بدْر ، نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فأوحى إليه : " وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ " ، فنفر النبي صلى الله عليه وسلم بجميع المسلمين ، وهم يومئذ ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا منهم سبعون ومئتان من الأنصار ، وسائرهم من المهاجرين ، وبلغ أبا سفيان الخبر وهو بالبطم ، فبعث إلى جميع قريش وهم بمكة ، فنفرت قريش وغضبت .
(*) عن حجاج ، عن ابن جريج : " وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ " ، قال : كان جبريل عليه السلام قد نزل فأخبره بمسير قريش وهي تريد عيرها ، ووعده إما العير ، وإما قريشا وذلك كان ببَدْر ، وأخذوا السقاة وسألوهم ، فأخبروهم ، فذلك قوله : " وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ " ، هم أهل مكة .
(*) حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ " إلى آخر الآية ، خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بدْر وهم يريدون يعترضون عيرا لقريش . قال : وخرج الشيطان في صورة سراقة بن جعشم ، حتى أتى أهل مكة فاستغواهم ، وقال : إن محمدا وأصحابه قد عرضوا لعيركم ! وقال : لا غالب لكم اليوم من الناس من مثلكم ، وإني جار لكم أن تكونوا على ما يكره الله ! فخرجوا ونادوا أن لا يتخلف منا أحَد إلا هدمنا داره واستبحناه ! ، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالروحاء عينا للقوم ، فأخبره بهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن الله قد وعدكم العير أو القوم " ، فكانت العير أحب إلى القوم من القوم ، كان القتال في الشوكة ، والعير ليس فيها قتال ، وذلك قول الله عز وجل : " وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ " ، قال : " الشوكة " ، القتال ، و" غير الشوكة " ، العير .
(*) حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : " وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ " ، هي عير أبي سفيان ، ود أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن العير كانت لهم ، وأن القتال صُرف عنهم
قوله تعالى:" وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ "
(*) قال ابن عباس وابن الزبير ومحمد بن إسحاق والسدي أقبل أبو سفيان من الشام في عير لقريش في أربعين راكبا من كفار قريش فيهم : عمرو بن العاص ، ومخرمة بن نوفل الزهري ، وفيها تجارة كثيرة ، وهي اللطيمة حتى إذا كانوا قريبا من بدْر ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فندب أصحابه إليه وأخبرهم بكثرة المال وقلة العدد ، وقال : هذه عير قريش فيها أموالكم فاخرجوا إليها لعل الله تعالى أن ينفلكموها ، فانتدب الناس فخف بعضهم وثقل بعضهم ، وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حربا ، فلما سمع أبو سفيان بمسير النبي صلى الله عليه وسلم استأجر ضمضم بن عمرو الغفاري ، فبعثه إلى مكة ، وأمره أن يأتي قريشا فيستنفرهم ويخبرهم أن محمدا قد عرض لعيرهم في أصحابه ، فخرج ضمضم سريعا إلى مكة .
وقد رأت عاتكة بنت عبد المطلب قبل قدوم ضمضم مكة بثلاث ليال رؤيا أفزعتها فبعثت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب فقالت له : يا أخي والله لقد رأيت الليلة رؤيا أفزعتني وخشيت أن يدخل على قومك منها شر ومصيبة ، فاكتم علي ما أُحدِّثك . قال لها : وما رأيت ؟ ، قالت : رأيت راكبا أقبل على بعير له حتى وقف بالأبطح ، ثم صرخ بأعلى صوته ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث ، فأرى الناس قد اجتمعوا إليه ، ثم دخل المسجد والناس يتبعونه فبينما هم حوله مثل به بعيره على ظهر الكعبة ثم صرخ بمثلها بأعلى صوته ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث ، ثم مثل به بعيره على رأس أبي قبيس ، فصرخ بمثلها ، ثم أخذ صخرة فأرسلها فأقبلت تهوي حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضت فما بقي بيت من بيوت مكة ولا دار من دورها إلا دخلتها منها فلقة .
فقال العباس : والله إن هذه لرؤيا رأيت ! فاكتميها ولا تذكريها لأحد ، ثم خرج العباس فلقي الوليد بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، وكان له صديقا فذكرها له واستكتمه إياها ، فذكرها الوليد لأبيه عتبة ففشا الحديث حتى تحدثت به قريش .
قال العباس : فغدوت أطوف بالبيت وأبو جهل بن هشام في رهط من قريش قعود يتحدثون برؤيا عاتكة ، فلما رآني أبو جهل قال : يا أبا الفضل إذا فرغت من طوافك فأقبل إلينا ، قال : فلما فرغت أقبلت حتى جلست معهم ، فقال لي أبو جهل : يا بني عبد المطلب متى حدثت هذه النبية فيكم ؟ ، قلت : وما ذاك ؟ ، قال : الرؤيا التي رأت عاتكة
قلت : وما رأت ؟ ، قال : يا بني عبد المطلب أما رضيتم أن تتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم ؟ ، قد زعمت عاتكة في رؤياها أنه قال انفروا في ثلاث فسنتربص بكم هذه الثلاث ، فإن يك ما قالت حقا فسيكون ، وإن تمض الثلاث ، ولم يكن من ذلك شيء ، نكتب عليكم كتابا أنكم أكذب أهل بيت في العرب ، فقال العباس : والله ما كان مني إليه كبير إلا أني جحدت ذلك وأنكرت أن تكون رأت شيئا ، ثم تفرقنا فلما أمسيت لم تبق امرأة من بني عبد المطلب إلا أتتني فقالت : أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم ثم قد تناول النساء وأنت تسمع ، ثم لم تكن عندك غيرة لشيء مما سمعت ، قال : قلت والله قد فعلت ما كان مني إليه من كثير ، وأيم الله لأتعرضن له فإن عاد لأكفينكه ، قال : فغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة وأنا حديد مغضب أرى أن قد فاتني منه أمر أحب أن أدركه منه ، قال : فدخلت المسجد فرأيته ، فوالله إني لأمشي نحوه أتعرضه ليعود لبعض ما قال فأقع به ، وكان رجلا خفيفا ، حديد الوجه ، حديد اللسان ، حديد النظر ، إذ خرج نحو باب المسجد يشتد ، قال : قلت في نفسي : ما له لعنه الله ؟ أكل هذا فرقا مني أن أشاتمه ؟ ، قال : فإذا هو قد سمع ما لم أسمع ، صوت ضمضم بن عمرو ، وهو يصرخ ببطن الوادي واقفا على بعيره ، وقد جدع بعيره وحول رحله وشق قميصه وهو يقول : يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه ، لا أرى أن تدركوها ، الغوث الغوث . قال : فشغلني عنه وشغله عني ما جاء من الأمر ، فتجهز الناس سراعا فلم يتخلف من أشراف قريش أحد إلا أن أبا لهب قد تخلف وبعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة .
فلما اجتمعت قريش للمسير ذكرت الذي بينها وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة بن الحارث ، فقالوا : نخشى أن يأتونا من خلفنا فكاد ذلك أن يثنيهم ، فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم وكان من أشراف بني بكر ، فقال : أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه .
فخرجوا سراعا ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه ، في ليال مضت من شهر رمضان ، حتى إذا بلغ واديا يقال له ذفران ، فأتاه الخبر عن مسير قريش ليمنعوا عيرهم ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالروحاء أخذ عينا للقوم فأخبره بهم .
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا عينا له من جهينة حليفا للأنصار يدعى عبد الله بن أريقط فأتاه بخبر القوم وسبقت العير رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل جبريل وقال : إن الله وعدكم إحدى الطائفتين إما العير وإما قريشا ، وكانت العير أحب إليهم ، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في طلب العير وحرب النفير ، فقام أبو بكر فقال فأحسن ، ثم قام عمر فقال فأحسن ، ثم قام المقداد بن عمرو فقال : يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك فوالله ما نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى : فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ، ولكن نقول : اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد يعني مدينة الحبشة لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له بخير.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أشيروا علي أيها الناس " وإنما يريد الأنصار ، وذلك أنهم عدد الناس وأنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا : يا رسول الله إنا براء من ذمامك حتى تصل إلى دارنا ، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمامنا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوف أن لا تكون الأنصار ترى عليها نصرته إلا على من دهمه بالمدينة من عدوه ، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم ، فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له سعد بن معاذ : والله لكأنك تريدنا يا رسول الله ، قال :" أجل " ، قال : قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئتنا به هو الحق أعطيناك على ذلك عهودا ومواثيق على السمع والطاعة ، فامض يا رسول الله لما أردت فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا إنا لصبر عند الحرب صدق في اللقاء ولعل الله تعالى يريك منا ما تقر به عينك ، فسر بنا على بركة الله ، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد ونشطه ذلك ، ثم قال : " سيروا على بركة الله وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين ، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم " .
** ورد عند ابن الجوزي
قوله تعالى:" وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ "
(*) قال أهل التفسير: أقبل أبو سفيان من الشام في عير لقريش ، حتى إذا دنا من بدر ، نزل جبريل فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، فخرج في جماعة من أصحابه يريدهم ، فبلغهم ذلك فبعثوا عمرو بن ضمضم الغفاري إلى مكة مستغيثا ، فخرجت قريش للمنع عنها ، ولحق أبو سفيان بساحل البحر ، ففات رسول الله ، ونزل جبريل بهذه الآية:" وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ " (والمعنى: اذكروا إذ يعدكم الله إحدى الطائفتين . والطائفتان: أبو سفيان وما معه من المال ، وأبو جهل ومن معه من قريش)
فلما سبق أبو سفيان بما معه ، كتب إلى قريش: إن كنتم خرجتم لتحرزوا: ركائبكم ، فقد أحرزتها لكم . فقال أبو جهل: والله لا نرجع . وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد القوم ، فكره أصحابه ذلك وودوا أن لو نالوا الطائفة التي فيها الغنيمة دون القتال; فذلك قوله:" وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ " أي: ذات السلاح
** ورد عند الطبري
قوله تعالى:" وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ "
(*) عن عبد الصمد بن عبد الوارث قال ، حدثنا أبان العطار قال ، حدثنا هشام بن عروة ، عن عروة : أن أبا سفيان أقبل ومن معه من ركبان قريش مقبلين من الشأم ، فسلكوا طريق الساحل ، فلما سمع بهم النبي صلى الله عليه وسلم ، ندب أصحابه وحدَّثهم بما معهم من الأموال ، وبقِلَّة عددهم ، فخرجوا لا يريدون إلا أبا سفيان والركب معه ، لا يرونها إلا غنيمة لهم ، لا يظنون أن يكون كبيرُ قتالٍ إذا رأوهم ، وهي التي أنزل الله فيها " وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ " .
(*) عن معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ " ، قال : أقبلت عير أهل مكة يريد : من الشأم فبلغ أهل المدينة ذلك ، فخرجوا ومعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدون العير . فبلغ ذلك أهل مكة ، فسارعوا السير إليها ، لا يغلب عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فسبقت العير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان الله وعدهم إحدى الطائفتين ، فكانوا أن يلقوا العير أحب إليهم ، وأيسر شوكة ، وأحضر مغنما ، فلما سبقت العير وفاتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين يريد القوم ، فكَرِه القوم مسيرهم لشوكة في القوم .
(*) عن محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ " ، قال : أرادوا العير ، قال : ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة في شهر ربيع الأول ، فأغار كرز بن جابر الفهري يريد سرح المدينة حتى بلغ الصفراء ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فركب في أثره ، فسبقه كرز بن جابر . فرجع النبي صلى الله عليه وسلم ، فأقام سنته . ثم إن أبا سفيان أقبل من الشأم في عير لقريش ، حتى إذا كان قريبا من بدْر ، نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فأوحى إليه : " وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ " ، فنفر النبي صلى الله عليه وسلم بجميع المسلمين ، وهم يومئذ ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا منهم سبعون ومئتان من الأنصار ، وسائرهم من المهاجرين ، وبلغ أبا سفيان الخبر وهو بالبطم ، فبعث إلى جميع قريش وهم بمكة ، فنفرت قريش وغضبت .
(*) عن حجاج ، عن ابن جريج : " وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ " ، قال : كان جبريل عليه السلام قد نزل فأخبره بمسير قريش وهي تريد عيرها ، ووعده إما العير ، وإما قريشا وذلك كان ببَدْر ، وأخذوا السقاة وسألوهم ، فأخبروهم ، فذلك قوله : " وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ " ، هم أهل مكة .
(*) حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ " إلى آخر الآية ، خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بدْر وهم يريدون يعترضون عيرا لقريش . قال : وخرج الشيطان في صورة سراقة بن جعشم ، حتى أتى أهل مكة فاستغواهم ، وقال : إن محمدا وأصحابه قد عرضوا لعيركم ! وقال : لا غالب لكم اليوم من الناس من مثلكم ، وإني جار لكم أن تكونوا على ما يكره الله ! فخرجوا ونادوا أن لا يتخلف منا أحَد إلا هدمنا داره واستبحناه ! ، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالروحاء عينا للقوم ، فأخبره بهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن الله قد وعدكم العير أو القوم " ، فكانت العير أحب إلى القوم من القوم ، كان القتال في الشوكة ، والعير ليس فيها قتال ، وذلك قول الله عز وجل : " وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ " ، قال : " الشوكة " ، القتال ، و" غير الشوكة " ، العير .
(*) حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : " وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ " ، هي عير أبي سفيان ، ود أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن العير كانت لهم ، وأن القتال صُرف عنهم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق