<title>لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ والمُهاجِرينَ والأَنصارِ الَّذينَ اتَّبَعُوهُ في ساعَةِ العُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ، وعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذينَ خُلِّفُوا حَتَّى إذَا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرض ... سورة براءة ~ أسباب نزول آيات القرآن

الاثنين، 11 فبراير 2019

لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ والمُهاجِرينَ والأَنصارِ الَّذينَ اتَّبَعُوهُ في ساعَةِ العُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ، وعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذينَ خُلِّفُوا حَتَّى إذَا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرض ... سورة براءة


** ورد في الدر المنثور للسيوطي
قوله تعالى: " لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ، وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ  "
(*) أخرج ابن مردويه عن ابن شهاب قال : إن الثلاثة الذين خلفوا؛ كعب بن مالك من بني سلمة، وهلال بن أمية من بني واقف، ومرارة بن ربيع من بني عمرو بن عوف
(*) أخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن الحسن قال : لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك تخلف كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع، قال : أما أحدهم فكان له حائط حين زها، قد فشت فيه الحمرة والصفرة، فقال : غزوت وغزوت وغزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلو أقمت العام في هذا الحائط ، فأصبت منه . فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه دخل حائطه فقال : ما خلفني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما استبق المؤمنون من الجهاد في سبيل الله إلا ضن بك أيها الحائط ، اللهم إني أشهدك أني قد تصدقت به في سبيلك . وأما الآخر فكان قد تفرق عنه من أهله ناس واجتمعوا له فقال : غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وغزوت، فلو أني أقمت العام في أهلي ، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال : ما خلفني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما استبق إليه المؤمنون في الجهاد في سبيل الله إلا ضن بكم أيها الأهل، اللهم إن لك علي ألا أرجع إلى أهلي ومالي حتى أعلم ما تقضي في ، وأما الآخر، فقال : اللهم إن لك علي أن ألحق بالقوم حتى أدركهم، أو أنقطع ، فجعل يتبع الوقع والحزونة حتى لحق بالقوم، فأنزل الله :" لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ " إلى قوله : " وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ " قال الحسن : يا سبحان الله، والله ما أكلوا مالا حراما، ولا أصابوا دما حراما، ولا أفسدوا في الأرض، غير أنهم أبطئوا عن شيء من الخير؛ الجهاد في سبيل الله، وقد ( والله ) جاهدوا، وجاهدوا، وجاهدوا، فبلغ منهم ما سمعتم . فهكذا يبلغ الذنب من المؤمن
** ورد في لباب النقول في أسباب النزول للسيوطي
قوله تعالى: " لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ "
(*) روى البخاري وغيره عن كعب بن مالك قال لم أتخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها إلا بدرًا حتى كانت غزوة تبوك وهي آخر غزوة غزاها وآذن الناس بالرحيل ، فذكر الحديث بطوله .. وفيه : فأنزل الله توبتنا " لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ " إلى قوله " إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ " قال وفينا أُنزل أيضا " اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ " 
** ورد عند القرطبي
قوله تعالى: " لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ، وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ "
(*) قوله تعالى: " لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ "
(*) عن عبدالرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه قال : لم أتخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها حتى كانت غزوة تبوك إلا بدرا ولم يعاتب النبي صلى الله عليه وسلم أحدا تخلَّف عن بدْر إنما خرج يريد العِير فخرجت قريش مغوثين لعيرهم فالتقوا عن غير موعد كما قال الله تعالى ، ولعمري إن أشرف مشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس لبَدْر وما أحب أني كنت شهدتها مكان بيعتي ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام ثم لم أتخلف بعد عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى كانت غزوة تبوك وهي آخر غزوة غزاها وآذن النبي صلى الله عليه وسلم بالرحيل ، فذكر الحديث بطول قال : "فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو جالس في المسجد وحوله المسلمون وهو يستنير كاستنارة القمر وكان إذا سُرّ بالأمر استنار فجئت فجلست بين يديه فقال : "أبشر يا كعب بن مالك بخير يوم أتي عليك منذ ولدتك أمك" فقلت : يا نبي الله أمن عند الله أم من عندك ؟ قال : "بل من عند الله ، ثم تلا هذه الآية : " لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ " حتى بلغ " إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ " قال : وفينا أنزلت أيضا " اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ " براءة
(*) قوله تعالى: " وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ " 
قيل : "خُلِّفُوا" أي أُرجِئوا وأُخِّروا عن المنافقين فلم يقض فيهم بشيء ، وذلك أن المنافقين لم تُقبل توبتهم ، واعتذر أقوام فقُبِل عُذرهم ، وأخَّر النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء الثلاثة حتى نزل فيهم القرآن. وهذا هو الصحيح لما رواه مسلم والبخاري وغيرهما.
* اللفظ لمسلم قال كعب : كنا خلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم ، وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمْرَنا حتى قضى الله فيه ؛ فبذلك قال الله عز وجل : " وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا " وليس الذي ذكر الله مما خلفنا تخلفنا عن الغزو ، وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه فقَبِل منه. وهذا الحديث فيه طول ، هذا آخره.
* والثلاثة الذين خلفوا هم : كعب بن مالك ومرارة بن ربيعة العامري وهلال بن أمية الواقفي وكلهم من الأنصار. 
* وقد خرج البخاري ومسلم حديثهم ، فقال مسلم عن كعب بن مالك قال : " لم أتخلَّفْ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوةٍ غزاها قطُّ . إلا في غزوةِ تبوكَ . غيرَ أني قد تخلَّفتُ في غزوةِ بدرٍ . ولم يعاتِبْ أحدًا تخلَّفَ عنه . إنما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون يريدون عِيرَ قريش . حتى جمع اللهُ بينهم وبين عدوِّهم ، على غيرِ مِيعاد . ولقد شهدتُ مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة العقبة . حين تواثقْنا على الإسلامِ . وما أحبُّ أنَّ لي بها مَشهد بدرٍ . وإن كانت بدر أذكرُ في الناس منها . وكان من خبري ، حين تخلَّفتُ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، في غزوة تبوك ، أني لم أكن قط أقْوى ولا أيسرَ مني حين تخلَّفتُ عنه في تلك الغزوةِ . واللهِ ! ما جمعتُ قبلَها راحلتَين قطّ . حتى جمعتُهما في تلك الغزوة . فغزاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حرّ شديد . واستقبل سفرًا بعيدًا ومفازًا . واستقبل عدوًّا كثيرًا . فجلَّا للمسلمين أمرَهم ليتأهَّبوا أُهبَة غَزوِهم . فأخبرهم بوجهِهم الذي يريد . والمسلمون مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كثير . ولا يجمعهم كتاب حافظ ( يريد ، بذلك ، الدِّيوان ) . قال كعب : فقلَّ رجل يريد أن يتغيَّبَ ، يظن أنَّ ذلك سيخفى له ، ما لم ينزل فيه وحيٌ من اللهِ عزّ وجلّ . وغزا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تلك الغزوةِ حين طابت الثمارُ والظِّلالُ . فأنا إليها أصعرُ . فتجهَّز رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون معه . وطفِقتُ أغدو لكي أتجهزَ معهم . فأرجعْ ولم أقضِ شيئًا . وأقول في نفسي : أنا قادرٌ على ذلك ، إذا أردتُ . فلم يزلْ ذلك يتمادى بي حتى استمرَّ بالناس الجِدُّ . فأصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غاديًا والمسلمون معه . ولم أقضِ من جهازي شيئًا . ثم غدوتُ فرجعتُ ولم أقضِ شيئًا . فلم يزلْ ذلك يتمادَى بي حتى أسرعوا وتفارط الغزوُ . فهممتُ أن أرتحلَ فأدركَهم . فيا ليتني فعلتُ . ثم لم يُقَدَّرْ ذلك لي . فطفقتُ ، إذا خرجتُ في الناس ، بعد خروج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، يُحزِنُني أني لا أرى لي أُسوة . إلا رجلًا مغموصًا عليه في النِّفاق . أو رجلًا ممن عذَر اللهُ من الضُّعفاءِ . ولم يَذكرْني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى بلغ تبوكًا فقال ، وهو جالس في القومِ بتبوكَ: " ما فعل كعبُ بنُ مالكٍ ؟ " ، قال رجلٌ من بني سلمةَ : يا رسول الله ! حبَسه بُرداه والنظرُ في عَطِفَيه . فقال له معاذ بن جبل : بئسَ ما قلتَ . واللهِ ! يا رسول الله ! ما علِمْنا عليه إلا خيرًا . فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم . فبينما هو على ذلك رأى رجلًا مبيضًا يزول به السَّرابُ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم :" كُن أبا خَيثمةَ " ، فإذا هو أبو خيثمة الأنصاريُّ (وهو الذي تصدَّق بصاع التمر حين لمَزه المنافقون )، فقال كعب بن مالك : فلما بلغني أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد توجَّه قافلًا من تبوك ، حضرني بثِّي . فطفقتُ أتذكَّر الكذب وأقول : بم أَخرج من سخَطِه غدًا ؟ وأستعين على ذلك كلَّ ذي رأي من أهلي ، فلما قيل لي : إنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أظلَّ قادمًا ، زاح عني الباطل ، حتى عرفتُ أني لن أنجوَ منه بشيءٍ أبدًا . فأجمعتُ صدقةً . وصبَّح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قادمًا . وكان ، إذا قدِم من سفرٍ ، بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتَين ،ثم جلس للناس . فلما فعل ذلك جاءه المُخلَّفون ، فطفِقوا يعتذرون إليه . ويحلِفون له ، وكانوا بِضعة وثمانين رجلًا . فقبِل منهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علانيتَهم . وبايعَهم واستغفرَ لهم . ووكَل سرائرَهم إلى الله ، حتى جئتُ ، فلما سلمتُ ، تبسَّم تبسُّم المُغضَب ثم قال :" تعالِ " فجئتُ أمشي حتى جلستُ بين يديه . فقال لي : " ما خلَّفك ؟ ألم تكن قد ابتعتَ ظهرَك ؟ " قال قلتُ : يا رسول الله ! إني ، واللهِ ! لو جلستُ عند غيرِك من أهلِ الدنيا ، لرأيتُ أني سأخرج من سَخَطِه بعُذر . ولقد أُعطيتُ جَدلًا . ولكني ، واللهِ ! لقد علمتَ ، لئن حدَّثتُك اليوم حديث كذب ترضَى به عني ، ليوشِكنَّ الله أن يُسخِطَك عليَّ . ولئن حدَّثتُك حديثَ صدقٍ تجِد عليَّ فيه ، إني لأرجو فيه عُقبى اللهِ ، واللهِ ! ما كان لي عذرٌ ، واللهِ ! ما كنتُ قطُّ أقوى ولا أيسرَ مني حين تخلَّفتُ عنك ، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم :" أما هذا ، فقد صدق . فقُمْ حتى يقضيَ اللهُ فيك " فقمتُ ، وثار رجال من بني سلمةَ فاتَّبعوني . فقالوا لي : واللهِ ! ما علِمناك أذنبتَ ذنبًا قبل هذا . لقد عجزتَ في أن لا تكون اعتذرتَ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، بما اعتذر به إليه المُخلَّفون . فقد كان كافيك ذنبَك ، استغفارُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لك . قال : فواللهِ ! ما زالوا يُؤنِّبونني حتى أردتُ أن أرجعَ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم . فأُكذِّبُ نفسي ، قال ثم قلتُ لهم : هل لقِيَ هذا معي من أحدٍ ؟ قالوا : نعم . لقِيه معك رجلان . قالا مثلَ ما قلتَ ، فقيل لهما مثلُ ما قيل لك . قال قلتُ : من هما ؟ قالوا : مرارة بن ربيعة العامريّ ، وهلال بن أمية الواقفيُّ . قال فذكروا لي رجلَين صالحَين قد شهدا بدرًا فيهما أُسوةٌ ، قال فمضيتُ حين ذكروهما لي . قال ونهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المسلمين عن كلامِنا ، أيها الثلاثةَ ، من بين من تخلَّف عنه . قال ، فاجتنبَنا الناس . وقال ، تغيَّروا لنا حتى تنكَّرتْ لي في نفسي الأرض ، فما هي بالأرضِ التي أعرفُ . فلبثْنا على ذلك خمسين ليلة . فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتِهما يبكيان . وأما أنا فكنتُ أشَبَّ القومِ وأجلدَهم ، فكنت أخرج فأَشهد الصلاةَ وأطوفُ في الأسواقِ ولا يكلِّمني أحد  ، وآتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأسلِّم عليه ، وهو في مجلسِه بعد الصلاةِ . فأقول في نفسي : هل حرَّك شفتَيه بردِّ السلامِ ، أم لا ؟ ثم أصلِّي قريبًا منه وأسارقُه النظر ، فإذا أقبلتُ على صلاتي نظر إليَّ . وإذا التفتُّ نحوه أعرض عني . حتى إذا طال ذلك علَيّ من جفوةِ المسلمين ، مشيتُ حتى تسوَّرتُ جدارَ حائط أبي قتادةَ ، وهو ابنُ عمي ، وأحبُّ الناس إليّ . فسلَّمتُ عليه . فواللهِ ! ما ردَّ عليَّ السلامَ . فقلتُ له : يا أبا قتادةَ ! أنشُدك بالله ! هل تعلمنَّ أني أحبُّ الله رسولَه ؟ قال فسكتَ . فعدتُ فناشدتُه . فسكت فعدتُ فنا شدتُه . فقال : اللهُ ورسولُه أعلمُ . ففاضت عينايَ ، وتولَّيتُ ، حتى تسوّرتُ الجدارَ . فبينا أنا أمشي في سوقِ المدينة ، إذا نِبطيٌّ من نَبط أهل الشام ، ممن قدم بالطعامِ يبيعُه بالمدينة . يقول : من يدلُّ على كعب بن مالك . قال فطفِق الناسُ يشيرون له إليَّ . حتى جاءني فدفع إلي َّكتابًا من ملِك غسَّانَ . وكنتُ كاتبًا . فقرأتُه فإذا فيه : أما بعد . فإنه قد بلغنا أنَّ صاحبَك قد جفاك . ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مَضِيعة . فالحَقْ بنا نُواسِك . قال فقلتُ ، حين قرأتُها : وهذه أيضًا من البلاءِ . فتيامَمتُ بها التَّنُّور فسجَرتُها بها . حتى إذا مضت أربعون من الخمسين ، واستلبثَ الوحي ، إذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأتيني فقال : إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأمرك أن تعتزل امرأتَك . قال فقلتُ : أُطلِّقُها أم ماذا أفعل ؟ قال : لا . بل اعتزِلْها . فلا تقرَبنَّها . قال فأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك . قال فقلتُ لامرأتي : الْحَقي بأهلِك فكوني عندهم حتى يقضي اللهُ في هذا الأمر . قال فجاءت امرأة هلال بن أميَّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم . فقالت له : يا رسول الله ! إنَّ هلال بن أميَّة شيخٌ ضائع ليس له خادم . فهل تكره أن أخدمَه ؟ قال :" لا . ولكن لا يَقربنَّكِ " فقالت : إنه ، واللهِ ! ما به حركةٌ إلى شيءٍ . وواللهِ ! ما زال يبكي منذ كان من أمرِه ما كان . إلى يومه هذا . قال فقال لي بعض أهلي : لو استأذنتَ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في امرأتِك؟ فقد أذِن لامرأة هلال بن أميَّةَ أن تخدمَه . قال فقلتُ : لا أستأذنُ فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وما يُدريني ماذا يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم،   إذا استأذنتُه فيها ، وأنا رجل شابّ . قال فلبثتُ بذلك عشرَ ليال . فكمل لنا خمسون ليلةً من حين نُهِيَ عن كلامِنا . قال ثم صليتُ صلاة الفجر صباح خمسينَ ليلةٍ ، على ظهْر بيت من بيوتِنا . فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله عزَّ وجلَّ منا . قد ضاقَت علي نفسي وضاقت عليَّ الأرضُ بما رَحُبَتْ ، سمعتُ صوت صارخٍ أَوفَى على سَلعٍ يقول ، بأعلى صوتِه : يا كعب بن مالك ! أبشِرْ . قال فخررتُ ساجدًا ، وعرفتُ أن قد جاء فرجٌ . قال فآذَنَ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الناس بتوبة الله علينا ، حين صلَّى صلاة الفجر . فذهب الناس يبَشِّروننا . فذهب قبل صاحبي مُبشِّرون . وركض رجلٌ إليَّ فرسًا . وسعى ساعٍ من أسلمَ قبلي . وأوفى الجبل . فكان الصوت أسرع من الفرس . فلما جاءني الذي سمعتُ صوتَه يُبشِّرُني . فنزعتُ له ثوبي فكسوتُهما إياه ببشارتِه . واللهِ ! ما أملِك غيرهما يومئذ . واستعرتُ ثوبَين فلبستُهما . فانطلقتُ أتأمَّمُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم . يتلقَّاني الناس فوجًا فوجًا ، يُهنِّئونني بالتوبة ويقولون : لِتُهنِئَك توبةَ اللهِ عليك . حتى دخلتُ المسجد ، فإذا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم جالس في المسجد ، وحولَه الناسُ . فقام طلحة بن عُبيدالله يهرول حتى صافحَني وهنَّأني . واللهِ ! ما قام رجلٌ من المهاجرين غيرُه . قال فكان كعب لا ينساها لطلحةَ . قال كعب : فلما سلّمتُ على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال ، وهو يبرق وجهُه من السُّرورِ ويقول: " أبشِرْ بخيرِ يومٍ مرَّ عليك منذُ ولدتْك أمُّك " قال فقلتُ : أمِن عندك ؟ يا رسول الله ! أم من عندِ اللهِ ؟ فقال: " لا . بل من عندِ اللهِ " وكان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا سُرَّ استنار وجهُه . كأنَّ وجهَه قطعةُ قمَرٍ . قال وكنا نعرف ذلك . قال فلما جلستُ بين يدَيه قلتُ : يا رسولَ اللهِ ! إنَّ من توبتي أن أنخلعَ من مالي صدقةً إلى اللهِ وإلى رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم .  فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم :" أمسِكْ بعضَ مالِك . فهو خيرٌ لك " قال فقلتُ : فإني أُمسِكُ سَهمي الذي بخَيبر . قال وقلتُ : يا رسول الله ! إنَّ اللهَ إنما أنجاني بالصِّدق . وإنَّ من توبتي أن لا أُحدِّثَ إلا صدقًا ما بقِيتُ . قال فواللهِ ! ما علمتُ أن أحدًا من المسلمين أبلاه اللهُ في صدقِ الحديثِ ، منذ ذكرتُ ذلك لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى يومي هذا ، أحسنَ مما أبلاني اللهُ به . واللهِ ! ما تعمَّدتُ كذبةً منذُ قلتُ ذلك لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، إلى يومي هذا . وإني لأرجو أن يحفظَني اللهُ فيما بقِيَ . قال : فأنزل اللهُ عزَّ وجلَّ" لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ " حتى بلغ " إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ، وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ" حتى بلغ " اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ " . قال كعب : واللهِ ! ما أنعم اللهُ عليَّ من نعمةٍ قطُّ ، بعد إذ هداني اللهُ للإسلام ، أعظمُ في نفسي ، من صِدقي   رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. أن لا أكون كذَبتُه فأهلِك كما هلك الذين كذبوا .
** ورد في التفسير الكبير( مفاتيح الغيب)
قوله تعالى: " لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ، وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ "
هؤلاء الثلاثة هم ؛ كعب بن مالك الشاعر ، وهلال بن أمية الذي نزلت فيه آية اللعان ، ومرارة بن الربيع ، وللناس في هذه القصة قولان :
(*) القول الأول : أنهم ذهبوا خلف الرسول صلّى الله عليه وسلّم ، قال الحسن : كان لأحدهم أرض ثمنها مائة ألف درهم فقال : يا أرضاه ما خلفني عن رسول الله إلا أمرك ، اذهبي فأنت في سبيل الله فلأكابدن المفاوز حتى أصل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وفعل ، وكان للثاني أهل فقال : يا أهلاه ما خلفني عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلا أمرك فلأكابدن المفاوز حتى أصل إليه وفعل ، والثالث : ما كان له مال ولا أهل فقال : ما لي سبب إلا الضن بالحياة والله لأكابدن المفاوز حتى أصل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلحقوا بالرسول صلّى الله عليه وسلّم فأنزل الله تعالى " وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ " .
(*) والقول الثاني وهو قول الأكثرين : أنهم ما ذهبوا خلف الرسول صلّى الله عليه وسلّم 
قال كعب : كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحب حديثي فلما أبطأت عنه في الخروج قال صلّى الله عليه وسلّم : "ما الذي حبس كعبا " ، فلما قدم المدينة اعتذر المنافقون فعذرهم ، وأتيته وقلت : إن كراعي وزادي كان حاضرا واحتبست بذنبي فاستغفر لي فأَبَى الرسول ذلك ، ثم إنه صلّى الله عليه وسلّم نهى عن مجالسة هؤلاء الثلاثة ، وأمر بمباينتهم حتى أمر بذلك نساءهم ، فضاقت عليهم الأرض بما رحبت ، وجاءت امرأة هلال بن أمية وقالت : يا رسول الله لقد بكى هلال حتى خفت على بصره ، حتى إذا مضى خمسون يوما أنزل الله تعالى :" لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ " وأنزل قوله :" وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا " فعند ذلك خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى حجرته وهو عند أم سلمة فقال : "الله أكبر قد أنزل الله عذر أصحابنا" فلما صلى الفجر ذكر ذلك لأصحابه وبشرهم بأن الله تاب عليهم ، فانطلقوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتلا عليهم ما نزل فيهم . فقال كعب : توبتي إلى الله تعالى أن أخرج مالي صدقة فقال : "لا" قلت : فنصفه قال : "لا" قلت : فثلثه قال : "نعم "  
** ورد في تفسير مقاتل
قوله تعالى: " وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ "
(*) تاب الله عَلَى الثّلاثة الّذين خُلِّفُوا عن التوبة بعد أبي لبابة وأصحابه وهم ثلاثة  مرارة بن ربيعة، وهلال بن أمية، وكعب بن مالك، ولم يذكر توبتهم ولا عقوبتهم وذلك أنهم  لم يفعلوا كفعل أبي لبابة وأصحابه فلم ينزل فيهم شيء شهرا فكان الناس لا يكلمونهم، ولا يخالطونهم ، ولا يبايعونهم، ولا يشترون منهم، ولا يكلمهم أهلهم، فضاقت عليهم الأرض فأنزل الله  عز وجل  فيهم بعد شهور أو شهر وَتاب أيضا "عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا " عن التوبة يعني بعد أبي لبابة، وهم مرارة بن ربيعة، وهلال بن أمية، وكعب بن مالك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق